هناك نوبة دفاع عن زيادة الضرائب على تذاكر الطيران وكلام عنها كسلعة ترفيهية، وتريقة من نوع: \”اللي يشوف الهري يقول ده رَفَع سعر تذكرة الأتوبيس\”، و\”معلش الغلابة اللي بيسافروا بيزنس يستحملوا شوية\”! والحقيقة إن لا السفر دايما رفاهية ومحصور في اللي فلوسهم كتير وطالعين يتفسحوا، ولا قطاع الطيران المدني في مصر يستحمل الكلام ده.
المعلومة الوحيدة اللي تبرعوا يقولوها لنا، هي حجم الغلة، وموضوع التركيز على حجم \”الغلّة\” اللي حنلمّها، بدون التطرق لأي جانب آخر أو توضيح لعواقب القرارات -زي ماعملنا في مشروع القناة- بقى شئ مزري الحقيقة، وبيفكرني بقصة تاريخية مشهورة قوي ولطيفة، موضوعها برضه -يا محاسن الصدف- الضرائب المفروضة ع المصريين.
لما الخليفة عثمان بن عفان شال عمرو بن العاص من الولاية على مصر، وعين بداله عبدالله بن أبي سرح، حب الوالي الجديد -فيما يبدو- يثبت أنه أفضل من عمرو بن العاص في حكم البلاد، فأرهق الناس بضرائب ضخمة علشان يبعت للمدينة أموالا أكثر بكثير من اللي كان بيبعتها ابن العاص! فلما وصل المال للخليفة، استدعى عمرو بن العاص وقال له: \”لقد درَّت اللقاح (يعني زاد الحليب) من بعدِك يا عمرو\”! فردَّ عليه عمرو زي الطلقة: \”وهلكت فصالها (يعني وموّتوا عيالها من الجوع)\”.
فيه كمان كلام على ضريبة قيمة مضافة على الصحة والتعليم الخاص، لسه الله أعلم حتبقى قيمتها قد إيه والناس حيبقى رد فعلها إيه.. بس أنا شخصيا شايفة إن لو ده حصل، حيبقى ضربا من الجنون.. الصحة والتعليم تحديدا أردأ خدمات وأغلى تكاليف بتتحملها الأسرة المصرية، وكلمة \”الخاص\” هنا لا تعني بالمرة علية القوم الأغنياء المرفهين فقط.. يا ريت! \”الخاص\” دي يعني كلنا، حيث إن الدولة بطلت تقدم الخدمات دي أصلا من زمان، والناس بتبيع هدومها عشان تعمل عملية في مستشفى خاص لحد مريض في الأسرة أو تدخل عيالها مدرسة خاصة لسه فيها حاجة اسمها حيطان وسقف ودكّة وحمام، ومش حاقول تعليم!
الكلام ده في الوقت اللي فيه أعلى ضريبة دخل فيكي يا مصر 22.5% تبدأ من اللي دخله حوالي خمستاشر ألف جنيه، لحد اللي دخله ملايين بلا أي زيادة! في الوقت اللي فيه أرباح المضاربة في البورصة ماعليهاش أي ضريبة! في الوقت اللي فيه تهرب ضريبي مفزع من قطاعات بالكامل أشهرها الأطباء والمهندسين الإستشاريين والمحاميين والمدرسين الخصوصيين (وجميع أصحاب المهن الحرة في العموم) والبلد لا تجمع ربع الحصيلة الضرائبية المقدرة!
فياريت يا جماعة ماحدش يقولي: \”دول 50 جنيه!\”، \”دول تمن علبتين سجاير!\”.. موقفي باختصار.. لحد ما الدولة تنظم أولوياتها بلا هوى وإنحيازات للطبقة العليا، ولحد ما تبدأ بجدية فى الملفات الضرائبية الأولى فعلا بالعمل، ولحد ما تبطل حلب في الفقرا ومحدودي الدخل اللي ضروعهم جفت وجابت دم.. يحرق قوانينهم.
وأخيراً.. أسيبكو مرة تانية تملوا عنيكوا وتشنّفوا آذانكوا مع المقولة الخالدة للسيد الأستاذ عبد المنعم مطر رئيس مصلحة الضرائب خلال ندوة توجهات النظام الضريبى بالجمعية العلمية للخبرة الضريبية:
\”غُلبنا في وضع عقوبات على غير الملتزمين بالفواتير، لكن قلبنا الطيب في الضرائب، مش بينفذ العقوبة\”.