سنوات طويلة وأنا أعمل في مجالي الدعاية والصحافة، واعترف أن موهبة الدعاية طغت عليّ، وأخذتني لعدة سنوات من الصحافة، لكنني في نفس الوقت تعلمت واستفدت خبرات كثيرة في كافة المجالات المختلفة للدعاية.
للحظات غلبني غروري، وجعلني اعتقد أنني إنسانة متمكنة في مهنتي –الدعاية- لم أتوقع يوما أنني سوف أهتز أمام شاب في العشرينيات من العمر، يعمل في شركتي.. جلس أمامي اليوم، يستمع لي وأنا اتحدث معه عن جزئية بعينها في مجال الدعاية والسوشيال ميديا.. ظل ينظر لي باستغراب، لكنه لم ينطق بحرف.
للوهلة الأولى، لم أفهم نظراته، لكنني قبل أن يستكمل حديثه، حمدت الله على نعمه سرعة البديهة التي اعطاها الله لي، والتي مازالت تعمل بداخلي حتى الآن.
اصطدمت بصخره تدعى فارق الأجيال، أو بمعنى أصح صراع الأجيال، ما بيني وبينه.. ما بين جيل السبعينيات وجيل التسعينيات، لم أخجل من نفسي وأنا اقول له – أمام نظرة عينيه التي تنم عن الفارق الشاسع بيننا في الفكر – إذا وجدتني أقول لك كلاما تشعر أنه غير منطقي أو لا يتماشى مع الحداثة التي نعيشها في الوقت الحالي، سوف أسمح لك أن تقول لي – على جنب بلغة جيلك- \”بلح\” وبلح بنوى كمان.
ظل هذ الشاب يضحك أمامي ويروي لي أفكاره المتطورة، فقررت أن أعطيه الفرصة كاملة، وأتحول أمامه إلى تلميذة تستمع له دون أي خجل من نفسي أو منه.
لم يكن في حساباتي يوما أنني سيأتي علي الدور وأصبح \”دقة قديمة\” أمام التطور التكنولوجي الذي يحدث أسرع من الضوء.
ظل هذا الشباب يتحدث أمامي واستمع إليه، حتى وجدت نفسي اسرح في فترة بداية شبابي، وأنا اجلس أمام كبار الأسماء في عده مجالات مختلفة، سواء كانت الصحافة أو الدعاية أو الفن، وأنا اتعامل معهم بنفس منطق هذا الشاب.. أنهم دقة قديمة، لكنني لم اجد نفس حظ هذا الشاب، فقد اصطدمت في ذاك الوقت بالأجيال التي سبقتني.. لم اجد من يسمعني ويتقبلني باعتباري امثل جزء من جيل قادم، لذا قررت ان أستمع لهذا الشاب – ممثلا في ذهني- لجيل قادم باكتساح، بكل آلياته وأدواته.. سارعت إلى التواصل مع الجيلين.. جيل شباب التسعينيات وأباء الخمسينيات والسيتينيات، فوجدت نفسي جيل السبعينيات الذي عاش في منطقه خط الوسط.. تعايش مع كل ما هو قديم وحديث في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات.
لكنني لم أستطع أن أفصل نفسي عن الواقع، وجدت عقلي لبضع دقائق أشبه بالفلاشات.. أنا الشابة التي تقف الآن في منتصف العمر.. التي عاشت زمن طفولة لا اندم على مقوماتها الضئيله مقارنة بهذا الجيل، خصوصا أنها كانت ناتجة عن معطيات وإمكانيات ذلك الوقت.
……….
الطفله التي كانت تذهب يوميا إلى الحضانة ممسكة بيد والدتها، وفي اليد الأخرى قطعة الحلوى وتغني يوميا \”الدنيا برد يا عم خليل\” لأحمد منيب، تجلس الآن أمام شاب كان طفلا من أبناء التسعينيات.. كان يذهب إلى الحضانة ويضع السماعات في أذنه يستمع إلى الأغاني.
مكثت سنوات كثيرة، لا امتلك سوى \”لعب\” بسيطة.. العروسة التي \”اتنحل\” شعرها من كتر التسريح فيه.. السلم والتعبان الذي تطور إلى أحدث الألعاب في زماننا إلى لعبه بنك الحظ، أمام مواجهة لعبة الـ Wii.
أرى أمامي الآن أمي السيدة البسيطة التي تجمع من راتبها لتشتري لي كمبيوتر صخر حتى لا ننفصل عن الواقع، ونستطيع مواكبة العصر.. ابتسم أمام علبة الفلوبي ديسك ذات الألوان المتعددة، احتفظت بعلب الـ سي دي، اقف الآن أمام شاب يمسك بفلاشة أو كارت ميموري.
جلست إلى جانب أخي الكبير، استمع منه إلى حواديت ميكي وبطوط وقصص رجل المستحيل لنبيل فاروق، اذهب مع زملائي في المدرسة لشراء روايات عبير وزهور وطبيبك الخاص.. أجلس الآن إلى جانب هذا الشاب، اقرأ على الإنترنت في ملف pdf رواية \”الفيل الأزرق\” لأحمد مراد.
نحن جيل شاهد على شاشة صندوق الدنيا \”التليفزيون المربع الكبير الأبيض والأسود\” مسرحية \”مدرسة المشاغبين\”، و\”العيال كبرت\”، مرورا بـ \”إنها حقا عائلة محترمة\” و\”سك على بناتك\” و\”شارع محمد علي\” نهايه بأنه لا يوجد مسرح الآن، في مواجهة جيل الوول والشير واللايك والكومنت.
عشنا سنوات الفرح والبهجه على فوازير نيللي وشريهان مرورا بشيرين رضا وصابرين وهالة فؤاد، نهايه بميريام فارس.. نذهب إلى سينمات وسط البلد.. نفرح بدور عرض المولات \”طيبة وجنينة مول\”.. اتواصل الآن مع جيل دور عرض أمريكانا i max.
نحن الجيل الذي كان يقف أمام المكتبة المدرسية لشراء الأستيكة البيضة أم ريحة المرسوم عليها أرنوب، ويكره الأستكية المنقسمة إلى لونين \”الأزرق والأحمر\” عشان كانت بتقطع الكراسة.. الأستيكة تواجه الآن ضغطة زرار الديليت.
نحن التلاميذ الذين كان بعض أبائنا يقومون بعمل ثقب في الأستكية وربطها في عنق ابنائهم حتى لا يفقدونها.. في ظل وجود جيل الخمسينيات الكادح، كنا نحن ابناؤهم – جيل السبعينيات- عندما نشاهد طفلا يذهب إلى المدرسة حاملا زمزمية، كنا “نقول عليه أبوه حرامي”.. لم اعلم أنني سوف أتواصل مع جيل التسعينيات الذي يذهب إلى المدرسة والجامعة بالموبايل والآيباد.
جيل الفتيات اللاتي لا تعرف معظمهن عن التحرر من الكبت، غير الاهتمام بالموضة من خلال ملابس عمرو دياب، والانبهار بكسرات البنطلونات القماش لإيهاب توفيق في التسعينيات، عشنا حياتنا، لكننا لم نر شبرا من انفتاح ثقافه الإنترنت.
رغم كل هذه الذكريات والحنين إلى مكونات طفولتنا وشخصيتنا والتجارب التي مررنا بها، إلا أنني حتى الآن لا اعرف: هل نحن جيل \”أهبل\” أو \”تافه\”، أم أننا جيل يمتلك الخبره التي تمكنه من التواصل.
نحن لا نستطيع مواكبة العصر، أو بمعنى أصح مواكبة الأجيال القادمة، خصوصا أن قدراتنا على تقبل التغير، ونحن في أوائل العشرينات، تختلف عن قدرتنا في الثلاثينات.. نحن نعيش في كوكب كامل يتغير في ظل ثورة المعلومات.
نقف جميعا في كرة قدم.. نحن خط الوسط \”جيل السبعينيات\” الفاصل بين نصفي الملعب.. النصف الأول \”جيل التسعينيات\” والنصف الثاني من الملعب، جيل الأباء \”الخمسينيات والستينيات\”.. الرافض لكل الأجيال التي جاءت من بعده، بما فيهم جيلنا السبعينيات، وينظرون دائما إلينا باعتبارنا الجيل الذي أفسد كل شئ، وهم من يصلحون.
سيظل جيلنا رمانه الميزان التي تزن كل الأمور بين صراع وصدام باقي الأجيال.. نحن الجيل الوحيد- \”السبعينيات\” – الذي تقبل ثقافة كل الأجيال التي جاءت من قبله ومن بعده، ونحن نؤمن بأن هناك أجيالا قادمة، يمكن أن نطلق عليهم \”غول تطور\” قادم بثورة المعلومات.