تشكو كثير من الأمهات من صعوبة تترواح بين البسيطة والشديدة، في التعامل مع أحد أبنائها، خصوصا مع بداية التحاق الطفل بالمدرسة في سن الست سنوات، وعادة ما يُرجع الأبوان سبب هذه الصعوبات والمشكلات إلى التدليل الزائد من أحد الأبوين أو كليهما أو من الأجداد، أو ربما قلة الأدب بسبب عدم قدرتهما على تربية الطفل بطريقة تربوية صحيحة.
وسرعان ما يتخذ الأبوان قرارهما بتأديب الطفل، حيث إنه كبر الآن \”وبقى راجل وملو هدومه ولازم يتربى عشان ما يوجعش قلبهم في التعليم وما يفضحهمش قدام الناس\”.
تقرر الأم أو الأب أو كليهما تأديب الطفل بأساليب التأديب التقليدية، كالعقاب البدني أو الأساليب الحديثة كالعقاب المعنوي، وفي كلتا الحالتين لا تأتي أي من أساليب العقاب السابقة وما شابهها بنتائجها المرجوة، مما يؤدي بالأباء إلى طريقين لا ثالث لهما.. إما أن تستمر طريقة العقاب المعتادة مع زيادة جرعات العقاب وشدته حتى يصل في بعض الأحيان إلى تكسير العظام وتشويه الشخصية للأبد، تنفيذا للمثل الشعبي الشهير \”اضرب إبنك واحسن أدبه.. ما يموت إلا إن فرغ أجله \”، أو التوجه لطبيب نفسي لسؤاله عما إذا كان ما يواجهه فلذة كبدهم مرضا نفسيا أو ما شابه، حتى يطمئن قلبهم إلى أن معاناتهم ما هي إلا دلع وشقاوة وقلة أدب من الطفل وخلاص.
يا كل أم تشكو من طفل شقي شقاوة غير طبيعية أو مُفراك أو قرد مسلسل.. طفل عصبي زيادة عن اللازم ويفقد السيطرة على ألفاظه وأفعاله وردود أفعاله أمام الجميع – غير مكترث بوجود شخص قريب أوغريب- مما يتسبب لك في إحراج شديد أمام الآخرين.. طفل عداوني أو مؤذ لنفسه أو لغيره بدرجة أو بأخرى.
يا كل أم تشكو من عدم تركيز طفلها سواء أثناء الصف الدراسي أو أثناء أداء واجباته المنزلية، أو تشكو من قلة عدد ساعات نوم طفلها على مدار اليوم، أو تستمع إلى شكاوى المعلمات المتكررة من سوء سلوك إبنها في الصف وعدم إنتباهه لما يقال وقلة هدوئه وكثرة حركته وإزعاجه للجميع سواء للمعلمات أو إزعاجه لزملائه في الصف.
يا كل أم لاحظت طاقة زائدة أو فرط حركة أو عدم انتباه أو عدم تحكم في رد فعل طفلك أو اجتماع كل ما سبق في طفلك.. استعدي للخبر اليقين.
طفلك مريض يا سيدتي!
نعم طفلك مريض وليس مدللا ولا قليل الأدب ولا عديم الرباية.
إبنك للأسف يعاني من إضطراب اجتمع العلماء على تسميته باضطراب نقص الإنتباه وفرط النشاط
Attention deficit hyperactivity disorder أو ADHD
وقبل أن تنزعجي، عليك أن تتأكدي أن معاناتك ومعاناة طفلك لن تدوم طويلا، إلا في حالات نادرة ومعقدة، أما أغلب الحالات، فتتحسن في سن 12 إلي 14 سنة، وبالتالي عليك أن تتحملي وتتعاملي بحكمة مع سخافات طفلك الخارجة عن إرادته لمدة ست سبع سنوات من عمره – حيث يتم اكتشاف الاضطراب غالبا في سن سبع سنوات – حتى تعبرا معا من هذا النفق المزعج.
كيف تتحملي وكيف تعبري معه إلي أقرب مرفأ آمن؟
أولا : عليكي بتصفح الشبكة العنكبوتية بحثا عن معلومات أكثر تساعدك في تحديد ما يصدرعن طفلك من تصرفات، ثم اختيار طبيب ذي ثقة وسمعة جيدة تذهبين له وتعرضين عليه معاناتك، حينها سيقوم الطبيب بعمل بعض الاختبارات العلمية حتى يتسنى له تحديد مستوى معاناة طفلك. تعاوني معه وأجيبي عن الـ 80 سؤال أو أكثر بكل دقة وصراحة. ولكن قبل أن تذهبين للطبيب.. راقبي إبنك جيدا لفترة لا تقل عن أسبوع ودوني كل تصرفاته وردود أفعاله حتى يتسنى لك شرح الحالة جيدا.
ثانيا: عليك اكتشاف مواطن الجمال في طفلك، فربما يكون من النوع النادرالذي يلاقي صعوبات في التعليم، قد تستمر معه طوال سنوات الدراسة، وما يترتب على ذلك من تغيير مسار تعليمه، لذا عليك باكتشاف مواهبه ، فهذه الفئة من الأطفال يملكون مواهب غير اعتيادية ونسبة ذكاء ترتفع كثيرا عن النسبة التي يتمتع بها أقرانهم ومن هم في مثل أعمارهم.
أحيانا.. نلاحظ في حالات كثيرة عدم تأثير هذا الاضطراب على مستوى الطفل التعليمي وحصول الطفل المضطرب على درجات عالية جدا في الإمتحانات، بل وينجح بتفوق، لكن تظل مشكلة فرط الحركة، والتي تتسبب في معاناة للأم والمعلمة.
ثالثا: راقبي ما سبق من شكاوى في طفلك حتى تتأكدي أنه يحتاج لمراجعة طبية وليس للإيذاء البدني.. راقبي ما سبق وزيدي عليه الآتي: كثرة الثرثرة, التملل من الجلوس في المقاعد لمدة طويلة، فقدان الأدوات المدرسية بصورة متكررة – أو شبه يوميه- التظاهر بعدم الإصغاء لحديثك، قلة الصبر، عدم التحكم في إظهار مشاعر الحب والكراهية، ردود الأفعال السريعة التي يتبعها ندم وبكاء واعتذار وأحيانا لا يتبعها، المبادرة بالعداونية، صعوبة أداء أي نشاط إلزامي، صعوبة التزام الصمت أثناء تناول الطعام أو اثناء الاستعداد للنوم أو أثناء الصف الدراسي، وصعوبة الإلتزام بالقواعد والقوانين الخاصة بالمكان مثل قواعد وقوانين المدرسة أو القواعد العامة في المنزل.. الخ
لاحظي جيدا كل ما يأكله طفلك، وهل تتغير سلوكياته بعد تناوله طعاما معينا مثل منتجات الألبان مثلا او الأطعمة المحتوية على الجلوتين أو الوجبات السريعة أو المشروبات الغازية والملعبات والمُكَبسات.. الخ
إن لاحظتي أي مما سبق، فعليك أن تتوقعي تفاصيل أخرى أكثر حدة.. أحيانا تصل شكاوى الأم والمعلمة إلى عدم قدرة الطفل على الحفظ مثل مواجهة صعوبة شديدة في حفظ القرآن الكريم مثلا أو حفظ الحروف الأبجدية أو الكلمات المكونة من حرفين أو ثلاث.. وأحيانا تصل بعض الحالات إلى استحالة النجاح في إمتحانات الصفوف من الأول وحتى الثالث الإعدادي، حيث لا يستطيع الطفل أبدا تخطي 30% او 40% من درجات الامتحان مهما بلغت مساعدتك له أو مهما بلغ مجهوداته.. في هذه الحالة ندخل إلى منحنى جديد يصنف على أنه صعوبات تعلم كعسرالنطق أو عسر القراءة أو عسر الكتابة أو عسر إجراء عمليات حسابية.. إلخ وهذه الحالات ليس مجالها الآن.
الآن يا سيدتي وقد عرفتِ أن ما تعانيه مع طفلك، تعاني معك منه سيدات كُثر، قد يصلن إلى نسبة تتخطي الـ 7% من إجمالي ما تعانيه الأمهات مع أطفالهن، وهي نسبة ليست بالقليلة تصل إلى ملايين الأطفال، لذا عليك أولا أن تتعاملي مع طفلك بحكمة وحنان وحب شديد حتى تراجعي طبيبا مختصاً
من الآن.. عليك أن تنظري لطفلك نظرة مختلفة تماما عما كنت في السابق، فطفلك يا سيدتي يفعل ما يفعله بغير إرادته.. هو غير متحكم في انفعالاته وردود أفعاله ونوبات الغضب العارمة التي تجتاحه.. طفلك يود أن يكون أفضل، ولكنه لا يستطيع ولن يستطيع إلا بمساعدتك ومساعدة والده ومراجعة طبيب نفسي.
والآن إليك بعض النصائح البسيطة حتى يتسنى لك التعامل مع طفلك في أسبوع المراقبة:
اغمري طفلك بحنانك وأحضانك وقبلاتك طوال الوقت.. قولي له أحبك ولا تقولي له أنت حبيبي.. شجعيه على أقل فعل إيجابي له وتغاضي عن سلبياته – مؤقتا- ولا تثيري المشاكل بسببها.. فقط دونيها بدقة.
توقفي تماما عن أي إيذاء بدني أوعقاب معنوي الآن.. تعاملي معه بالدقائق، حتى وإن كان لا يدرك قيمة الوقت، وأغلب الأطفال هكذا لا يدركون قيمة الوقت.
يمكنك أن تحددي معه عشر دقائق لعمل الواجبات أو الاستذكار وبعدها امنحيه قسطا من الراحة عشر دقائق أخرى، وهكذا عشر دقائق مذاكرة وعشر دقائق راحة، ويمكن أن تزيدي العشر دقاق إلى ربع ساعة، ولكن راقبي طفلك جيدا، فقد يفقد تركيزه ويبدأ في التملل والحركة أثناء جلوسه والنظر لأعلى أو لأسفل أواللعب بأصابع يديه.. عندها توقفي فورا.. فلا فائدة مرجوة من جلوسه.
امتنعي عن إعطاء إبنك الشيكولاتة والمشروبات الغازية ورقائق البطاطس الجاهزة مؤقتا لحين مراجعة الطبيب.
إعطيه ورقة وقلم وألوان وراقبي ما يرسم، واحتفظي برسوماته مع ما دونتي من ملاحظات واعرضيهم على الطبيب .
راقبيه أثناء مشاهدته للتلفاز.. إذهبي لمعلمة طفلك واشرحي لها شكوكك واطلبي منها مراقبة الطفل والصبر على سخافاته حتى يتم تشخيص الحالة بدقة.
بقي أن أقول لك إن هناك كثيرا من مشاهير العالم المتفوقين في مجالاتهم كانت أمهاتهم تعاني مما تعانيه أنت الآن، لكن مع الاحتواء والضبط، تحولوا من مثيري شغب ومصدر قلق وإزعاج، إلى أشخاص ناجحين ومتفوقين.
يمكنك أن تبحثي في الشبكة العنكبوتية عن مشاهير المصابين بهذا الاضطراب في الطفولة – وهُم كُثُر – والذين اصبحوا متفوقون في مجالاتهم فيما بعد.. يكفي أن أقول لك أن من بينهم أينشتاين!
سيدتي.. عليكِ أن تتذكري أن لكل مشكلة حل، ولكل داء دواء.. المهم سلوك الطريق الصحيح لاختصار الوقت والمسافات والحصول على أفضل النتائج، ومهم جدا التحلي بالصبر، فالطريق أمامكِ مازال طويلا.
وللحديث بقية بإذن الباقي.