رانيا رشاد تكتب: حلقة وصل (2)

في خلال الثلاثة أشهر الماضية،  تلك الفترة التي تعاملت فيها مع أسر مبتلاه بنقص في المال، صادفني وصادف مجموعة العمل من المتطوعات بالتوصيل بين المتبرعين والمتلقيين كما لا بأس به من المواقف التي تصنف كمعجزات لا تتكرر كثيراً.
في بداية إنشاء الجروب على الفيسبوك، اعترضت كثير من السيدات على استمرار إغتراب الأسر التي لا يعمل عائلها، فطالما لا يعمل ولا يجد عملا عليه بالرحيل لوطنه، فهو أولى به.
فإذا برسالة تأتينا من إحدى السيدات مفادها أن زوجها لا يجد عملا لمدة أربع سنوات كاملة، وأنهما اضطرا لبيع كل ما يملكون لإطعام أطفالهم حتى أضحى منزلهم على البلاط حرفيا، ولم تطلب منا السيدة أي طلب.. فقط  كانت تسأل السيدات اللواتي تهكمن على من لا يعودون إلى بلادهم رغم انقطاع عملهم في بلاد الغربة، قائلة إنها تريد العودة إلى وطنها، لكن كيف السبيل وهم لا يملكون قيمة تذاكر الطيران؟!
نشرنا رسالتها كما هي، فإذا بهذه الرسالة تكون فاتحة خير على هذه الأسرة، حيث رزقهم الله بكل نواقص منزلهم، حتى وصلا لمرحلة الكماليات، فقد تبرعت لهم إحدى السيدات بجهاز مايكروويف جديد.
وقبل أن تنتهي قصة هذه السيدة، اتصلت بها هاتفيا بعد حل أغلب مشكلاتها، أسألها عن أي طلب تطلبه، قلت لها: \”اطلبي ما شئتِ\”، فأبت تماما أن تطلب، فألححت عليها كثيرا، حتى رضخت وطلبت جهاز تليفزيون لابنها الصغير البالغ من العمر ست سنوات، فوعدتها بالإعلان في الجروب عن طلبها، وما أن أغلقت الهاتف وقبل أن أكتب الإعلان، إذا برسالة تأتيني من إحدى السيدات أن لديها جهاز تليفزيون ملون وترغب في التبرع به!
يا الله! سبحان من سمع دعائها واستجاب لها في لمح البصر.
موقف آخر:
إحدى المتطوعات تحكي لنا أن لها جارة بسيطة الحال.. هذه الجارة ذهبت لتشتري صينية فرن زجاجية، فوجدت أن سعرها غال جدا بالنسبة لها، فذهبت لتحكي لجارتها وهي متعجبة من غلو سعر هذه الصينية.
أخذتها جارتها الطيبة إلى المطبخ وقالت لها: اختاري ما شئتِ من صواني، فأنا لدي الكثير منها، فاختارات أقلهن حجما، فأهدتها جارتها اثنتين أخرتين أكبر حجما.
وتقسم لنا السيدة أن بمجرد أن أخذت جارتها الصواني الثلاث وخرجت من باب الشقة، حتى وجدت زوجها يفتح الباب وفي يديه ثلاث صواني جديدة بدلا مما تبرعت به.
وكانت متعجبة جدا مما حدث، فزوجها لا يشتري أبدا أغراضا للمنزل إلا بصحبتها، وهذه أول مرة يشتري شيئا يخص المطبخ بمفرده!
فعلا وصدقا لا ينقص مال من صدقة.

موقف ثالث:
إحدى المتطوعات بالتوصيل تحكي لنا أنها ظلت ثلاثة أشهر كاملة تطلب من زوجها أن يشتري لها صينية معينة كانت عندها وكسرت، وأخيرا وجدث شبيهتها في محل بجوار مقر عمل زوجها، لكنه ينسى أن يشتريها، مع أنه يمر بجانب هذا المحل يوميا ذهابا وإيابا.
وفي إحدى مرات التوصيل، كانت توصل أغراض مطبخ كثيرة كانت طلبتها إحدى السيدات. أغراض المطبخ كانت موزعة على أكثر من أربع صناديق كبيرة وكانت تملأ سيارتها عن آخرها.
تقول لنا: \”كنت أفكر طوال الطريق في فتح الصناديق والبحث عن الصينية التي طالما طلبتها من زوجي وهو ينسى، وقلت إن وجدتها أخذتها، ثم سأتبرع بها لاحقا عندما يتذكر زوجي ويشتري لي ما طلبته، ولكني بعد طول مداولات ومناقشات بيني وبين نفسي طول الطريق، توصلت إلى قرار نهائي بعدم فتح الصنايق وتوصليها كما هي، فهي أمانة ولا يجوز لي أبدا العبث بها.

وصلت الأمانة كما هي، وما إن دخلت بيتي، إذا بمكالمة هاتفية من زوجي يخبرني فيها أنه أخيرا تذكر واشترى لي الصينية، وأنه لم يشتر لي واحدة، بل إثنتين تعويضا لي عن التأخير.. سبحان الله!
فعلا، من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

موقف آخر وهو الأكثر تأثيراً فيَّ وكلما حكيته اقشعر بدني:
سيدة تعمل في طهي الطعام في منزلها وبيعه لمن يرغب، تبرعت بتقديم وجبات مجانية كل فترة لأسرة فقيرة.
يوماً ما جاءني إتصال هاتفي من سيدة، كل ما تطلبه هي أن تطعم أطفالها الجياع، فتذكرت السيدة المتبرعة وبلغتها بالأمر فقالت لي: \”عدي علي.. عندي شوية حاجات ممكن تنفعها\”
ذهبت لها ليلا لآخذ منها ما أعدته للأطفال الجياع، فوجدت أنها سيدة بسيطة الحال جدا، فسألتها إن كان لها أي طلب أو تحلم بأي شيء ربما تطلبه ويتحقق.
رفضت في باديء الأمر، ثم بعد إلحاح مني قلت لها: \”أنتِ بتطلبي من ربنا مش مني أنا، بس سمعيني كده هاتطلبي إيه من ربنا\”
قالت لي: \”نفسي في كَبَّةْ تساعدني في شغلي، البصل مبهدلني\”
(كًبَّة يعني محضرة طعام أو كيتشين ماشين)
وعدتها بأن أعلن لها في الجروب عن حاجتنا لمحضرة طعام.
وكنا وقتها مشغولين جميعا في تجهيز إحدى العرائس، وكانت كل التبرعات في ذلك الوقت تأتي فقط للعروس، وكنت مشغولة في إمتحانات أولادي ونسيت تماما أن أعلن عن حاجتنا للتبرع بمحضرة طعام.
في اليوم التالي صباحا، تأتيتي رسالة من سيدة تتبرع بأغراض للعروس، لكنها مريضة ولا تتحرك، وطلبت منا أن نوفر لها من تتطوع في الذهاب لمنزلها وأخذ التبرعات، وبالفعل ذهبت المتطوعة بالتوصيل.

وفي المساء قابلت المتطوعة لآخذ ما أرسلته لنا السيدة من أغراض، فإذا بالمتطوعة تعطيني شنطة ورق كبيرة، قائلة إن السيدة المتبرعة قالت لها اعطي هذه الشنطة لرانيا.
فتحت الشنطة، فإذا بي أجد محضرة طعام ضخمة وكاملة الأجزاء!

يا الله! لقد استجاب الله لطلب السيدة ورزقها بما طلبت دون أن نعلن لها وبعد مرور عدة ساعات فقد.. مسافة السكة يعني.

سبحانك يارب.. تلك المعجزات التي حدثت معنا وغيرها، تجعلنا متمسكين بهذا العمل ومصريين على استمراره مهما قابلنا من مصاعب ومن دسائس لا معنى لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top