لم أكن أتخيل أبدا أن دخولي لغرفة الكراكيب في بيتي ومحاولة ترتيبها وتنظيفها سوف يجر علي هذا الكم الهائل من الخير اللانهائي والدعوات الصادقة من القلب.
بدأت الواقعة عندما قررت يوم الاثنين 18 / 5 / 2015 أن أدخل الغرفة المسماة غرفة مديرة المنزل في بيتي، ولأني لم يكن لدي مديرة منزل في ذلك الوقت، فأصبحت الغرفة غرفة الكراكيب.
دخلت الغرفة أرتبها، واستخرج منها ما ليس له قيمة ولا يستخدم ولن يستخدم، لأرميه خارج المنزل محاولة مني لتخفيف الكراكيب.
أثناء الترتيب والتنظيف وجدث شيئا ما ضخما وملفوفا بأكياس بلاستيكية سوداء ومحاطا بشريط لاصق قوي، حاولت أن أتبين ما فيه دون فتحه، لم أفلح أبداً، وتذكرت أنه ربما \”سارينا\” مديرة المنزل السابقة هي من قامت بهذا العمل محاولة منها للحفاظ على هذا الشيء من التلف أو التراب.
بدأت في فك طلاسم هذه اللفافة الضخمة، إذ بي أجدها عربة أطفال، تلك العربة التي نضع فيها أبناءنا الرضع وندفعهم أمامنا في الأسواق والمتنزهات بدلا من حملهم.
هذه العربة أهدتني إياها إحدى صديقاتي عندما وضعت ابنتي الصغرى منذ ثلاث سنوات، وبما أني وجدتها ملفوفة بعد مرور ما يقرب على العام من إنصراف \”سارينا\” من بيتي، إذن فأنا لست في حاجة إليها. لقد مرعام كامل ولم أستخدمها، إذن فلن أستخدمها ثانية (نظرية علمية).
اتصلت بصديقتي ربما كانت في حاجة لها قبل أن أرميها، فأجابت بالنفي.
أمسكت بالعربة وأنا في طريقي إلى باب المنزل ومنه إلى خارج المنزل، حيث صندوق القمامة الكبير لأضعها بجانبه، وقبل خروجي من الباب خطر لي أن أعلن عنها على إحدى صفحات الفيسبوك الخاصة بالنساء العربيات المغتربات في البحرين علّ إحداهن تستفيد بها.
صورتها ووضعت الصورة على الجروب النسائي وكتبت فوقها \”مجاناً لمن يحتاجها\”، وكانت هذه العبارة فاتحة خير عليَّ وعلى بيوت كثيرة.
وإذا بالتعليقات والرسائل تنهال عليّ من كل حدب وصوب، وكل سيدة تحتاجها مجانا، وكل سيدة لها ظروف خاصة تمنعها من شراء مثلها مع أنها في أشد الحاجة إليها.
بلغت بي الحيرة أشدها، ولم أستطع أن أتخذ قرار منح العربة لأي سيدة.
فمن منهن أحق من الثانية؟! وكلهن لديهن ظروف مادية سيئة، وأنا ليس لديّ أي سابق معرفة بأي منهن، ولا أعرف إن كن صادقات أم كاذبات، ولكني صدقتهن.
وخطرت لي فكرة، أن أطلب من كل سيدات الجروب، من كانت منهن لديها عربة أطفال لا تستخدمها ولا تريد بيعها وتحب أن تعرضها مجانا، فلتفعل.
وإذا بالسيدات يستجبن استجابة فورية، وتم جمع 16 عربة أطفال في خلال بضع ساعات فقط من الإعلان عن حاجتنا لعربات أطفال أخرى غير عربتي.
وقضيت ليلتي حتى فجر اليوم التالي في توصيل السيدات بعضهن ببعض سرا من خلال الرسائل الخاصة على الفيسبوك.
فمن تتبرع، تتبرع في السر لأنها من وجهة نظرها صدقة وتريدها خفية لتأخذ ثوابها كاملا. ومن تطلب، تطلب في السر لأنها محرجة من إعلان أنها تحتاج ولا تستطيع الشراء.
وفي هذه الليلة اقترحت علينا إحدى العضوات فكرة إنشاء جروب آخر خاص بالتبرعات المجانية حتى لا نشغل مساحة الجروب الاجتماعي بالتبرعات والطلبات ونخرج الجروب من إطاره الأصلي وهدفه الرئيسي في التعارف الاجتماعي بين المغتربات في البحرين.
وفي لحظتها نفذت إحدى العضوات فكرة الجروب الجديد واسميناه في باديء الأمر \”مغتربات الخير\”، فاكتشتفنا أنه يذكرنا ببرنامج \”صبايا الخير\”، فقررنا تغيير الاسم لـ \”حلقة وصل\”، وهي حقيقة نشاط الجروب، فهو حلقة الوصل بين المتبرع والمحتاج.
واكتشفت منذ ذلك الحين أن مملكة البحرين بها من المغتربين الفقراء الكثير جدا من كل الجنسيات، وانهارت فكرتي تماما عن أن كل المغتربين يحيَّون في رغد من العيش خارج بلادهم.
البعض هنا يعيش تحت خط الفقر فعلا ولا يستطيع العودة لبلاده، إما لظروف أفقر مما يعيشها هنا أو لظروف حرب كما في سوريا أو لظروف داعشية كما في العراق.
بعض المغتربين يتحملون ألم الغربة مضافا إليها ذل الفقر هربا مما هو أبشع في بلادهم.
ومنذ هذه الليلة وحتى اليوم مر ثلاثة شهور كاملة وأنا منغمسة بكل ما أملك من قوة وقدرة على التحمل في هذا العمل الجليل، لا يشغلني سواه، ولست وحدي بالطبع، فالسيدات المتطوعات كثر.. يكفي أن نعلن عن حاجتنا لسيدة متبرعة بالتوصيل من منطقة لأخرى حتى تنهال علينا الرسائل تعرض خداماتها المجانية.
في خلال ثلاثة أشهر تم تأثيث حوالي تسع شقق كان أصحابها يعيشون على البلاط حرفيا، رأيت ذلك بعيني.. تم تأثيث الشقق تأثيثا كاملا من الإبرة للصاروخ.. هذا إلى جانب إمداد الكثير بما ينقصهم من أغراض وأثاث منزلي وحتى بعض الكماليات.
وكل ذلك بالتبرعات العينية ومجانا تماما.
وصادفنا في خلال هذه الأشهر الثلاثة مواقف إعجازية، فعلا معجزات لم تكن لتخطر لنا على بال، سأحكيها لاحقا في بقية الحديث بإذن الله.
يتبع