رانيا رشاد تكتب: التجربة البحرينية

بلاد الغربة على ختلافها هي دائماً قاسية، لا يلطف من بعض قساوتها إلا \”ريحة الحبايب\”، والحبايب هنا هي \”مصر\” بكل ما فيها ومن فيها.

حين تمشي في الأسواق وتصل إلى أذنيك لهجة مصرية، ربما تلتفت رغماً عنك وتبتسم لمن خرجت من فهمه هذه اللهجة المحببة إلى قلبك، ربما تمد يديك إليه بالسلام قائلا: \”يا أهلا بريحة الحبايب\”، وربما ينتهي بك اللقاء العابرهذا بالتعارف الكامل واحتمال تبادل أرقام الهواتف، بل وإقامة صداقة كاملة قد تستمر طوال سنوات الغربة وما بعدها.

أن تمر في شارع ما خارج حدود مصر، وتشم فيه رائحة مصر متمثلة في مطعم مصري، فتلك هي السعادة بعينها.. أن تعرف أن هناك مخبزا مصريا يبيع الخبز المصري البلدي، تهرع إليه فرحا حتى إذا كنت ممن كان يأكل الفينو في مصر، فالخبز البلدي هنا غير.. إحساسك به هنا في الغربة مختلف تماماً عن إحساسك به في مصر.. الطعم والرائحة هنا في بلاد الغربة لها رونق مختلف.

أن تكون من عشاق أحد المطاعم المشهورة في مصر والتي تقدم المشويات أو الأسماك، وتعلم أن هذه المطاعم -أخيراً- افتتحت فرعاً لها في البلد الذي تقيم فيه، فتقرر الذهاب إليها، علها تذكرك بنفس الطعم ونفس الأجواء، وتخرجك ولو لبعض الوقت من الغربة بكل ما فيها، لتنقلك إلى ريحة الحبايب بكل ما فيها، لكن أن تصطدم بسوء الخدمة المقدمة كما حدث معنا عندما قررنا – أفراد أسرتي وأنا – أن نذهب إلى فرع من فروع سلسلة مطاعم مصرية شهيرة في الأسكندرية والقاهرة، وهالنا ما رأيناه وما قدم لنا!

ساعتها فقط لن تشعر بالندم على وقتك الذي أهدر في المكان ولا على ضياع أملك في الحصول على وجبة لذيذة غارقة في المصرية، ولا الندم المختلط بالتقزز لما حدث لمعدتك من غزو لأسوأ طعام ممكن أن تتذوقه في حياتك محدثاً حرباً كيميائية لعينة ربما تودي بحياتك – لا قدر الله .

لكنك ستشعر بالغيرة على اسم المطاعم وسمعتها – اللي زي البرلنت- في مصر، أن يهينها العاملين بهذا الفرع غير مبالين بما يقترفونه في حق من وفر لهم فرص عمل يتمناها كثيرون غيرهم.

ولأني \”ما بعرفش أسكت\”، فقد تقدمت بشكوتي للمسئول عن المطعم ظناً مني أنه لا يعرف ولم يتذوق ما قدم لي ولأسرتي، لكني فوجئت ببروده الشديد ولامبالاته قائلا لي: \” أيوة.. أنا عارف كل اللي حضرتك بتقوليه ده، وجالنا شكاوى كتير قبل كده، بس مش هانقدر نغير الشيف، لأن الحاج صاحب المحل مابيحبش يقطع رزق حد، وحالياً بنفكر نجيب حد معاه يسنده.\”

وعرض علينا أن يهدينا أطباقا من الأرز باللبن على سبيل الهدية، وحتى نجرب طعمها، لكننا رفضنا تماماً، حتى أصر وأقسم علينا، فاضطررت أن آخد ملعقة واحدة فقط وقلت له: \”جميل بس سكره زيادة\”.

في هذه اللحظة، خرج علينا الشيف من المطبخ ووقف يستمع لنان فقال له المسئول:\” تعال يا سيدي اسمع الناس بيقولوا عنك إيه\”

قلت له : \”لو انت الشيف.. يبقى لازم تقدم استقالتك فوراً، لأن ده أسوأ أكل أنا أكلته في حياتي\”

وبعد ان شرحت له عيوب ومساوىء الطعام المقدم، انصرف في هدوء.

وبعدما سمعني المسئول جيداً، وأيدني في شكوتي، كان كل ما اهمه عندما علم أنني سوف أعلن عن شكوتي بكل سبيل استطيعه حتى يعرف كل المصريين في البحرين ويأخذوا حذرهم من هذا المطعم السيء جداً، كان كل همه ألا أفضحهم على الشبكة العنكبوتية، قائلا ومؤكدا ومكررا: \”كله إلا النت.. أرجوكي بلاش النت\”!

تسلل الشك إلى نفسي من كون هذا المحل يتبع أصلا المطعم الرئيسي في مصر، ربما يكون لا يمت له بصلة، وفقط استغل الاسم التجاري فقط.

\”أيوة.. بااااس كده.. هم أكيد نصابين\”.. هكذا حدثتني نفسي.

طب اتاكد إزاي؟

بحثت عن أي خبر على الشبكة العنكبوتية يفيد افتتاح فرع للمطعم في البحرين.. أبداً لم أجد.

ثم بحثت عن رقم أحد فروع مصر، واتصلت بهم، ومن رد علي قال لي: \”لا يا افندم مالناش فرع البحرين\”

أيوة بقى.. شكي كان في محله، ولازم أحذر المصريين المقيمين في البحرين من المطعم النصاب دة.

لكن كيف اصل لكل المصريين في البحرين كي أحذرهم؟ مفيش غيره الفيسبوك، توصلت لجروب يتجمع فيه عدد لا باس به من المصريين، يصل لعدة آلاف، ودخلت الجروب وسردت لهم الموضوع برمته بكل تفاصيله، مؤكدة لهم أن المطعم نصاب، ولا يمت للمطعم الرئيسي بصلة، فدخل العاملون في المطعم معنا في النقاش مدافعين ومؤكدين أن المطعم تابع لنفس سلسلة المطاعم المصرية!

اتصلت ثانية بفرع مصر، وتأكدت أن فعلا، الفرع هنا تابع للأصل هناك، وأن من أبلغني لم يكن يعلم بوجود فرع جديد في البحرين!

حدثتني نفسي – الشارلوك هولمزية- ثانية:

إذن الموضوع مش نصب، طب يبقى إيه؟

أكيد فساد.. هو فساد مفيش غيره.

وكيف احارب هذا الفساد من موقعي وأنا ربة منزل لا أبارحه؟

لابد لي أن أصل لصاحب المطعم شخصياً.

طب.. هاوصله إزاي، وهو رجل أعمال مشهور وأكيد رقمه مش سهل الحصول عليه؟

بااااس.. مفيش غيره، هو الفيسبوك اللي هايوصلني.

بحثت عن صفحة المطعم الرئيسية، ومنها توصلت لصاحب المطاعم وأبنائه وراسلتهم جميعاً، حتى رد عليّ واحد منهم تفهم شكوتي وكتب لي رقم والده الخاص.

اتصلت بالرجل، وكان قمة في الذوق والأخلاق، وأبدى تفهمه لموقفي وخوفي على سمعته وأمواله التي تسرق من العاملين في مطعم البحرين، وقلت له مؤكد أنهم يسرقون من الخامات الرئيسية ليقدموا أطباقا لا تمت بأي صلة لنفس الأطباق المتعارف عليها، فقط تطابقها في الاسم، وربما الشكل. أما الطعم فهو خاو وفارغ تماماًن وهو ما يعد دليل دامغ على أن الخامات المستخدمة ناقصة جداً.

سردت للرجل شكوتي كاملة بتفاصيلها الدقيقة ،واستمع لي بإنصات واهتمام، وكان رده عليّ، بأنه يواجه مشكلة في تأشيرات السفر، وسوف تتوفر لديه بعض التأشيرات قريباً، فيستطيع من خلالها إرسال طباخين قدامى متخصصين وذوي خبرة، حتى يحسنوا من جودة المنتج والخدمة المقدمة، ووعدني بأن تتحسن الأمور في خلال شهر واحد على الأكثر، وشكرني كثيراً جداً على غيرتي عليه، وعلى اسمه الذي بناه على مدى سنوات طويلة من التعب، واعداً إياي بلقاء قريب في البحرين عندما تتحسن الأمور وتتظبط ويستطيع دعوتي لتناول وجبة معه في المطعم، معوضاً إياي عن تجربتي السيئة السابقة.

خلصت الحكاية؟

لا لسه.

طب فين المشكل؟

المشكلة تكمن في بعض المصريين المقيمين في البحرين، والذين قرروا معاداتي رغم عدم وجود سابق معرفة بيننا، لمجرد أنني شكوت من المطعم، وأيدني في هذه الشكوى كل من زار المطعم من قبل.. كلهم بلا استثناء.

طب الناس التانية اللي بتدافع.. بتدافعوا عنه ليه؟!

لا.. أصله مطعم مصري، واللي شغالين فيه مصريين، ولو أيدناكي، يبقى إحنا كده بنقطع عيشهم.

وحتى بعد أن أوضحت لهم أن العاملين في المطعم، هم المطالبين بتحري الحلال في رزقهم، وإتقان عملهم والمحافظة على مكان عملهم وتصحيح الأخطاء واتخاذ الشكاوى على محمل الجد، واتقاء الله فيما يقدمون للزبائن.

لكن هيهات أن أصل لنتيجة، فبعد حوارات طويلة جداً، لم أخرج منها بشيء مفيد غير الهجوم والهجوم فقط، وكأنني أنا المخطئة!

عرفت – فيما بعد- أن كل الدفاع عن المطعم والعاملين فيه بسبب الصحوبية والشللية بينهم وبين بعض أعضاء الجروب أو القائمين عليه.

الشللية والصحوبية والمحسوبية اللي دائماً وأبداً موديانا لورا.

ألا لعنة الله على الشللية.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top