الأسر المحافظة.. الشريحة الغالبة في المجتمع المصري، وخصوصا الطبقات المتوسطة أو الأقل.. تلك التي تطالب بناتها باستمرار بتحقيق منالهم الأكبر.. الإيقاع بعريس, دون حريات ممنوحة في سبيل تحقيق هذا المطلب.
والحديث عن الحريات المعقولة \”الطبيعية\” هنا مفهومه التعامل الطبيعي بين الجنسين.. تبادل الأفكار والثقافات واللقاءات العامة وتكوين الصداقات.
\”لأ ماتقعديش في كافيهات مع حد.. لو حد شافك وقاللي هاعمل إيه؟! لأ ماتعرفيش ولاد.. لأ ماتحضريش إيڤينتات.. فرح فلانة مين؟ تروحي ليه؟! تعرفي فلان منين؟ بيكلمك ليه؟ هاتي الموبايل اشوف! لو اتصورتي مع ولاد مفيش خروج من البيت ومفيش موبايلات.
يفسرون ذلك خوفا وحماية، وحين يأتي ذكر زواج في العائلة أو المحيط العام، يدوي السؤال بكل سماجة وانعدام للمنطق: \”مفيش حاجة كدة؟! طب فيه حد في بالك؟! \”مصحوبة بغمزة لا تعبر إلا عن رغبتهم في حدوث ما يثير حفيظتهم بالأساس!\”
كيف يطالبون أبناءهم وبناتهم بما يرون أنه \”الطبيعي أن يحدث\” في ظل أجواء مجتمعية وأسرية وثقافية غير طبيعية بالمرة؟! أطفالكم الذين أجبرتوهم على حب اللبن، كبروا على مقاطعته تماما.. ابنك الذي منعت عنه صنع طيارة ورق خوفا من أذى نزوله إلى الشارع، أقسم أنه سيصنع لنفسه جناحين ويطير يوما ما, مبتعدا عنك، رغم أنه يعلم أنه سينكفيء على وجهه من دون جناحين.. فقط ليشعر أن ذاك قراره واختياره هو, كي يتذوق النكهة الحقيقية للحياة التي أخفيتها عنه.
لا يفكر أحد أن الوقت الذي يمنحونه لنا في العمل أو في الجامعة أو أيا يكن قد يُستغل بشكل خاطيء ودون علمهم, بنفس المنطق المضاد، ولا يفكرون أيضا أن الممنوع مرغوب.. الكبت يخلق شراهة في النفوس وغشاوة في الأعين.. ينتج عنهما حواجز نفسية شاهقة، وعلاقات مجتمعية مشوهة, وفجوات بيننا وبينهم لا يقوى الزمن والأصول والعشم على سدها.
خوف الأخ على أخته يجب أن يفصلوه عن الإرهاب والتهديد بالحرمان من (الحقوق) التي لم يحرمها ديننا نفسه.. سلطته لا يجب أن تتخطى النصح والمساندة والتفهم والاحتواء الحقيقي، خصوصا في غياب الأب، وأن الصوت العالي وإظهار العين الحمراء، ليس حلا لأي شيء، أو هو وسيلة لشيء واحد فقط.. الكذب عليه لإسكاته.
الأب هو العمود الفقري للأسرة, اعتقد هذا الوصف يلخص الكثير, ويشرح توابع الأمور إذا سارت على النهج السابق ذكره.. الأم حتماً ولابد أن تكون الصديقة المقربة الفعلية لابنتها.. مهما اختلفت أزمانهم لن تجد حنانا وخوفا صادقا من الآخرين كالذي لدى الأمهات
لم لا يستغل ذلك بكل هدوء وبساطة وحسن استماع ومحاولة لاستكشاف متغيرات العصر؟
مطالبون دائما بالظهور أمامهم في ثوب غير المغضوب عليهم, الإمتثال لطاعتهم لأنهم الأصح والأنضج، وهكذا نكافأ برضاهم.. يريدوننا صرحاء معهم، وحين نفعل ذلك يعاقبوننا, يجبروننا على الكذب والاحتيال لتجنب عناء مواجهتهم، وردودهم المحفوظة عن ظهر قلب منذ الصغر.. يطالبون بالشيء، ويؤمنون بضرورة نقيضه!
وبعد ذلك كله، يتعجبون كثيرا.. لما لا نتزوج بسرعة؟! لما نحن ليس مثل فلان رغم أدائهم لكل الاحتياطات اللازمة في التربية؟!
لماذا لا يفهم أحد أن بصماتنا في حياتنا لن تتشابه إطلاقا مع بصماتهم؟! ولا مع بصمات الآخرين ولا حتى بصمات اليد الواحدة تتشابه!
لماذا لا يفهمون أن الحياة ليست الصراط المستقيم الذي يجب ألا نسقط من فوقه؟!
لماذا رغم كل ما فعلتموه لأجلنا، نلملم شتاتنا خارج البيوت وفي أحضان الآخرين؟ نستدعيها في التفاصيل الصغيرة العابرة كي تقبل عيوننا وترحل سريعا.