رامي يحيى يكتب: هويس الأكاذيب.. علي جمعة

بالصدفة شاهدت حلقة من برنامج \”والله أعلم\”، حيث الضيف الدائم أ.د علي جمعة، فكنت ممن تناولوا وجبة مغالطات تاريخية دسمة قدمها فضيلته، كانت خلاصة الحلقة أن الغزو العربي لمصر اسمه -ولامؤاخذة- فتح، وأن \”فتح\” ده حاجة حلوة، وأي احتلال مُستغِل ووحشي، إلا بتاع العرب المسلمين، فكله مودة وخير.

بدأ الشيخ كلامه بتعريف معنى كلمة \”غزو\”، فقال إن لها معنى حميدا وآخر قبيحا، فاستخدمت زمان بالمعنى الحميد، لكن تم تشويهها دلوقتي، لكن في الحقيقة وطبقا للمعجم الرائد، فكلمة \”غزو\” مصدرها \”غزا\” وهو السير إلى العدو ومحاربته في دياره، وفي المعجم الوسيط فمعنى \”غزا\”: سار إلى قتالهم وانتهابهم في ديارهم، وغزو الشيء يعني طلبه وقصده، باختصار معناها هو الهجوم على ديار الغير ونهبها مع سبق الإصرار والترصد.

كما صرح فضيلته أن العرب جاءوا لمصر تلبية لاستغاثة المصريين بهم، نتيجة اضطهاد الرومان، طبعا اضطهاد الرومان للمسيحيين المصريين حقيقي، لكن موضع طلب النجدة من العرب محض خيال علمي، واتحدى فضيلته أن يقدم دليلا واحدا معتبرا على هذا الكلام.

اتفق الشيخ الأزهري مع التيارات المتشددة في توصيف الديانة المصرية القديمة بالوثنية، وهي رؤية خاطئة، فلم يكن المصريون القدماء عبدة أصنام، فالديانة المصرية اعتمدت مجموعة من الآلهة تمثل قوى الطبيعة، وشيدت لها المعابد، أما التماثيل فكانت تعامل معاملة الرمز للآلهة الغيبية، ولم يكن المصريون يتقربون بها إلى هذه الآلهة.. مثلما كان الحال عند العرب، لكن هنقول إيه لشيخ أزهري يروّج لأقاويل السلفيين بأن الحضارة الفرعونية العظيمة هي المقصودة بقصة \”إرم ذات العماد\” المذكورة في القرآن!

قال فضيلته إن العرب المسلمين رفعوا الاضطهاد عن المسيحيين المصريين، وسمحوا لهم بإعادة تنصيب بن يامين بابا للكنيسة وإعادة بناء الكنائس التي هدمها الرومان.

تاريخيا لا شيء صحيح من هذا الكلام سوى إعادة \”بن يامين\” لمنصبه، أما إعادة بناء الكنائس المهدمة فغير صحيح، فمصر تم غزوها وقت حكم عمر بن الخطاب، صاحب \”العهدة العمرية\” اللي على أساسها تم التعامل مع المسيحيين الذين يعيشون في أي بلد يغزوها العرب، أولهم كان أهل إيليا، وأول بند في تلك الوثيقة يحظر بناء أو ترميم أي كنيسة أو دير أو حتى صومعة راهب، طبقا لنصها المذكور عند ابن القيم الجوزية.

وبعد قوله إن العرب سمحوا بترميم الكنائس المتهدمة، أخذته الجلالة وقال إن بن يامين بنى الكنائس كما يريد في برّ مصر، وهو ما سيناقضه بنفسه كمان شوية!

حين أراد فضيلته تأكيد سماحة الغزاة العرب، تحدث عن \”يوحنا اليعقوبي\”، وهو راهب عاصر دخول العرب لمصر، ويعد كتابه هو التأريخ الوحيد لهذه المرحلة، والذي لم يكتب بقلم المُنتصر أو تحت إشرافه، فكاتبه مصري يتساوى في نظره المحتل المطرود بالمحتل الجديد، يمكن كمان كان عنده شوية أمل أن الجديد يكون أرحم، كمان فضيلته لم يقدم روايات محددة، فقط كلام عام عن أن الكاتب يُنصف العرب ويقول بإنهم كويسين، بس الأمر لم يسلم من شوية \”نغزات\”، على حد تعبيره، في إشارة لمساوئ يذكرها المؤرخ.

وإن كان المنطق يقول: كون مؤرخ يشكر في غزاة قادمين لبلده وبدين مختلف عن دينه، فكلامه عن مساوئهم يكون له مصداقية عالية.

كمان كلام فضيلته عن العدل والسلام يتناقض والتاريخ اللي بيدرّسه الأزهر، فهذا التاريخ يؤكد أن المصريين انتفضوا ضد العرب أكتر من مرة، أولها في عهد الوالي الأول \”ابن العاص\”، لدرجة استنجادهم بالمحتل القديم، الرومان، للعودة مرة أخرى.

نفى فضيلته أن يكون العرب أحرقوا مكتبة الإسكندرية، وأن عملية الحرق حدثت قبلها بسنوات طويلة على يد الرومان، وهو الرأي الشائع بين المصريين.

يختلف العديد من المؤرخين الإسلاميين مع الشيخ الجليل، منهم المقريزي، وقدموا رواية تقول إن ابن العاص أرسل لخليفة المسلمين يسأله يعمل إيه في الكتب، فجاء الرد أن \”لو فيها هدى فقد هدانا الله بالقرآن وإن كان فيها ضلال فكفانا الله شرها\”، فتم إعدام الكتب، وعليه فمولانا صادق في عدم حرق مبنى المكتبة، وهي طريقة شرعية في الكذب تسمى -لا مؤاخذة- التعريض، يذكر أن اللغة العربية لم يكن بها نقط على الحروف حتى العصر الأموي.

والرواية تتفق مع آخرى عند ابن خلدون وآخرين، عن إرسال سعد بن أبي وقاص لسؤال الخليفة عمر \”ماذا يفعل في كتب وجدها في بلاد فارس، إيران\”، فجاء الرد بنفس المعنى السابق.

ثم إن إعدام الكتب يتماشى وتاريخ الدولة الإسلامية منذ نشأتها حتى نهايتها، كحرق كتب ابن رشد وغيره، وحرق كتب مكتبة دار الحكمة على يد صلاح الدين الأيوبي، ومؤخرا تفجير مكتبة الموصل على يد تنظيم الدولة الإسلامية.

تحدث فضيلته عن الجزية، فوصفها بالأمر السياسي، وده خطأ تماما، فالجزية أمر ديني مذكور في القرآن، آية 29 سورة التوبة، كما قال إن الجزية بديل عن دخول الجيش.. كأنه كان من حق المصريين دخول الجيش! في حين كان المصريون ممنوعين من دخول الجيش حتى عصر محمد علي باشا، الأمر اللي ذكره الشيخ نفسه بعد شوية!

تكلم الشيخ عن زعل المسيحيين من الجزية وإنها بتخليهم مواطنين درجة تانية، وأن هذه المشكلة انتهت بالخط الهمايوني، وينُص أول بند في مرسوم الخط الهمايوني على المساواة بين كافة رعايا الدولة الإسلامية، ما يؤكد بالبداهة وجود تفرقة احتاجت لقانون من الخليفة شخصيا لوقفها، كمان حضرته تجاهل أن الخط الهمايوني صدر 1856، يعني بعد احتلال المسلمين لمصر بأكتر من ألف سنة! في نهاية الفقرة تكلم عن محمد علي وسماحه ببناء الكنائس، في تناقض مع كلامه السابق عن أن بناء الكنائس مسموح من أيام عمرو بن العاص!

كما قال الشيخ إن العرب لم يفرضوا لغتهم، بينما التاريخ الإسلامي يقول إن عبد الملك بن مروان، الخليفة الأموي، فرض تعريب دواوين الدولة، وهو فرض صريح للغة، فمثلا لو دلوقتي المصالح الحكومية كلها قررت تتعامل بالإنجليزي.. هل مش هيبقى الشعب مجبر يتعلم إنجليزي؟!

ادعى سيادته أن العرب لم يستغلوا موارد مصر، وده كلام غير حقيقي، فالحجاز لم يتجاوز عام الرمادة إلا عن طريق خيرات مصر والشام، وهذا مثبت في كافة المراجع التاريخية الإسلامية، فيقول ابن كثير أن أمير المؤمنين كتب إلى بن العاص: \”واغوثاه.. واغوثاه.. واغوثاه\”، فأجابه: \”والله لأرسلن له قافله من الأرزاق أولها في المدينة وآخرها عندي في مصر\”، ده غير أموال الجزية والخراج، ونزوح الكثير من العائلات العربية للاستقرار في مصر، كأحد أول نماذج الاستعمار الاستيطاني.

استمر مهرجان المغالطات بالحديث عن علاقة العرب، العاربة، بمصر وأنهم من نسل النبي إسماعيل، ابن النبي إبراهيم والمصرية هاجر، وجاء بأسطورة لم أسمع عنها حتى في مجلات الأطفال، وهي أن هاجر كانت إحدى أميرات مصر، تحديدا من قنا، وهو كلام غير منطقي، فالأميرات المصريات مستحيل يتزوجن بعابر سبيل، ما أكده د. أحمد صالح، الأثري والمتخصص في علم التحنيط، في تعقيبه على ادعاء الشيخ.

أما أشنع ما في الموضوع، أن مفتي الديار المصرية السابق، وطوال حديثه، تحدث عن المصريين بوصفهم \”آخر\”، وكأن سيادته ممثل الغزاة العرب، وهو أمر لا يمكن إصلاحه بمقال مثل هذا، بل بثورة تعليمية لابد لها أن تبدأ فورا، إن كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لإعادة الانتماء المفقود وبداية حل أزمة الهوية عند المصريين.

ختامًا.. اسأل أ.د. علي جمعة.. هل فضيلتك تتجاهل الحقائق؟ أم لم تطلع عليها؟ أم لديك علم لا نعرفه نحن الغلابة المعتمدين على الكتب كوسيلة للمعرفة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top