أحد أصدقائي الصحفيين كلمني يوم حصول \”مرسي\” على حكم بالإعدام في قضية الهروب من سجن وادي النطرون، لأنه كان بيعمل تقرير عن رأي الأدباء في الموضوع، حاجة كده من باب الملو الكمي للجريدة والملو الانتاجي للصحفي ومواصلة التطبيل للنظام، وطبعا فرصة لبعض الأدباء في المزايدة على البعض الآخر، وكل ده في تقرير واحد.. يا بلاش.
بس طبعا غير مسموح بتقديم أي كلام مغاير لما يريد \”هم\” تصديره، وعشان كده بعد ما أرسلت ردي للصديق، ضحكنا سوا وكنا واثقين أن مشاركتي دي هتترفض بالثُلُث، وهو ما كان، فقررت أن أنشر رأيي في الموضوع في مكان لا يسيطر عليه هؤلاء الـ\”هم\”.
أن كم الأحكام بالإعدام ومدد السجن الطويلة الصادرة مؤخرا مبالغ فيها جدا، وغير منطقي بالمرة، وده بيسيء لفكرة استقلالية القضاء في مصر، واللي بيوصل بدوره حالة رديئة عن مؤسسات الدولة والعلاقات ما بينها للعالم الخارجي، وهو ما قيل صراحة في حديث مسؤول سويسري رفيع المستوى عن الأموال المصرية المتكدسة في أرصدة مبارك ورموز نظامه في بنوك سويسرا، حيث أكد أنهم يريدون إعادة هذه الأموال لمصر، لكن هناك مشكلتين، الأولى أنه لا يوجد تحرك رسمي من الدولة المصرية للمطالبة باسترداد هذه الأرصدة، والثانية عدم استطاعة الجانب السويسري تبادل المعلومات مع النيابة العامة المصرية لفقدان الثقة في استقلالها، بداية من الإعلان الدستوري الإخواني، وعزل النائب العام المباركي وتعيين آخر إخواني، ثم جاء النظام الحالي، ولم يحسن هذه الصورة حتى الآن.
الجانب التاني من خطورة الأحكام دي هو ترسيخها لفكرة إعدام الإخوان، لكونهم إخوان، مش لكونهم مُدانين في قضايا بعينها.. يعني مثلا دلوقتي \”مرسي\” ياخد إعدام في قضية هروب من السجن، وده يوصل رسالة مفادها إن الإخوانجي يموت، أو بصورة أشمل للأحكام وضم أحكام السجن طويلة المدة لشباب الثورة، فتصبح الرسالة مفادها أن من يعارض النظام \”هيروح ورا الشمس\”، في أحياء لعنصر آخر من عناصر الحقبة الناصرية البائسة، بعد إحياء حرب اليمن.
الجانب التالت لخطورة الأحكام دي، هو إنها بتفرغ شحنة غضب الناس تجاه الإخوان في المكان الخطأ، فمرسي يواجه الإعدام في الهروب من السجن، مش في قضية ضرب وقتل المتظاهرين في \”موقعة الاتحادية\”، مما يرسخ أن الإعدام لكونه خالف النظام اللي كان قائم وقتها، مش لأنه حرك ميليشيات الجماعة لقتل المتظاهرين، لأن طبعا إعدامه في قضية \”موقعة الاتحادية\” هيستدعي في الأذهان قتل مبارك للمتظاهرين في يناير.
ناهيك إن هناك العديد من شباب الثورة يحاكمون أو يقضون عقوبات بتهمة التظاهر ضد حكم الإخوان، ما يؤكد أن الأحكام عبثية تماما من جهة، وترسخ من جهة أخرى لفكرة أن السجن مصير التظاهر مهما كان الأمر.
أما رابع جوانب كارثة هذه الأحكام، فهو أن دلوقتي الراجل الذي هو مرسي هربان من السجن، والقضية دي هي جناية تستحق الإعدام، فدعوني أسأل: على أي أساس تمكن من أن يجلس كمتفاوض مع ممثلي أجهزة الدولة ومن ضمنهم رئيس المخابرات العامة الأسبق، وإزاي أصبح رئيس حزب، وإزاي ترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، وإزاي نجح وصار رئيسا.
كل دي نقط محتاجة تفسير من منظومة القضاء المصري، اللي عمليا وافقت لمرسي على كل الخطوات القانونية والإجرائية السابقة، ودلوقتي هي نفس المنظومة اللي بتحاكمه وبتحكم عليه بالإعدام!
أما الكارثة الأكبر فهتبقى في المنظومة العسكرية والمخابرتية، اللي تعاونت مع هذا الرجل بوصفه رئيس.. وكمان لما الشعب خرج عليه بالملايين، كانوا بيتفاوضوا معاه على حلول سياسية كانت \”في حال قبولها\” قد تؤدي لبقائه في السلطة، أو على الأقل عدم محاكمته.
طبعا مش كل ده اللي قلته لصديقي الصحفي، بس بما إن الكلام كده كده أترفض، وهيتنشر في موقع زائد 18 بوصفه مقال، فقررت أفرد وأوضح بأكبر قدر ممكن موقفي من العبث القضائي المصري، واللي تم تتويجه أول ليلة في رمضان بالإفراج عن 165 سجين، أغلبهم من الإسلاميين، في تأكيد عملي لكون الضدين يحتاج كل منهما لبقاء الآخر ليحافظ به على وجوده، فلا وجود لـ Tom من دون Jerry.. والعكس أيضا.
فبمراجعة بسيطة للأحداث على مر السنوات الأربع اللي فاتوا، هنلاقي مبدئيا إن مفيش أي خلاف سياسي أو اقتصادي أو حتى اجتماعي بين الإسلامجية، وبين المؤسسة العسكرية، وأن العداء الحالي بين الجنرالات والجماعة، بدأ يوم 3 يوليو حين تم الإعلان عن عزل مرسي، يعني من الآخر ده صراع على السلطة.
أما تاني نقطة مهمة، فهي أن مواقف الفريقين وقت تحالفهم، من أول خلع مبارك وحتى عزل مرسي، أو حتى وقت خلافهم، منذ خلع مرسي وحتى الآن، دائما تصب في مصلحة بعضهم، فالمجلس العسكري أفرج عن العديد من رموز التيار الإسلامي أو رفع الحظر عن دخولهم البلاد، وكان رد الجميل من الفريق الثاني بالتعنت الأحمق بعد 30 يونيو، فأي حل سياسي كان سيرضى به \”مرسي\”، كان سيعني بداهة بعدم وجود أي مبرر لظهور العسكريين في المشهد السياسي من جديد.