\”طلعت ريحتكم\”.. شعار تجمعت حوله الجماهير اللبنانية في تظاهراتها بشوارع بلادهم الجميلة، وهي المظاهرات القائمة بخصوص فشل الدولة في التعامل مع النفايات.. هذا الشعار الموجّه للحكومة والأحزاب اللبنانية تحوّل علينا، نحن المصريون، تحديدا الرجالة المصريون، أو ما يمكن تسميتهم تجاوزا، آلهة التحرش في كوكبنا الفسيح.
فمع انتشار صور وفيديوهات عن تظاهرات الجماهير اللبنانية، انتشرت ردود الفعل خصوصا المصرية بشكل أوسع، فمبدئيا كده تعامل المصريون مع التظاهرات هناك بوصفها كرنفالات مونديالية، تقوم الظيطة فيها على كل أنثى جميلة ومقارنتها بالمصريات البائسات المجبورات على التخفي في أسوأ صورة ممكنة، لعل وعسى يقدروا ينجزوا مشوار واحد بدون انتهاك نفسي وجسدي. وده طبعا بيتماشى مع طناش آلهة التحرش عن مستوى وسامة ولياقة المشجعين الذكور مقارنة بالكرش المصري التقليدي العتيد.
بنفس المنطق تغاضى أغلب المصريين، خصوصا آلهة التحرش، عن كل ما يدور في لبنان من حراك سياسي وما يترتب عليه من عنف أمني ومقاومة جماهيرية، ومن ثم ارتفاع بديهي وغير محسوب لسقف الطلبات، وحجم تأثير ذلك الحراك الجماهيري على الوضع في المنطقة ككل، وفي مصر بشكل خاص، كل هذا لم يكن له أي وجود في ذهنية آلهة التحرش، فلم يروا إلا إناثا مختلفات تربَّيْن على أن أنوثتهن ليست عارا أو نقيصة، نساء يلبسن كما يلبس النساء في أي بلد يحترم رجالها أنفسهم.
وانتشرت التعليقات السخيفة والمنحطّة انتشار النار في الهشيم، فقد صرنا نضحك على السخافات والعنصرية وكل ما لا يمت للمرح بصلة، وكما وصلتنا أنباء الأحداث في لبنان، وصلت ريحتنا القذرة إلى المحتجين هناك، فخرجت فتاتان -وفي أقل من 3 دقائق- أرسلوا رسالة مفادها إن إحنا رجالة وسخة وعار ع الإنسانية، وأن الثورة المصرية وباقي الثورات العربية كان من الحتمي أن تنكسر وجماهيرها تعج بالمتحرشين والذكوريين، ضغطوا على جرحنا القذر حين أشاروا لوقائع التحرش والاغتصاب الجماعي للفتيات في ميدان التحرير.
أعلنوا بمنتهى الوضوح عن فخرهن بأن بلادهم لا تضم رجال متحرشة وقذرة مثل بلادنا، ما جعل حالة من الخزي تسيطر عليّ، ولا يسعني الرد، حيث لا أظن إن هناك كلمات اعتذار تكفي.
لكن ولأن الوقاحة أسهل، والجاهل أكثر ثقة من أي حد، فقد جاءت العديد من الرسائل السلبية للتعليق على كلام الفتاتين، أنا عن نفسي شاهدت 3 رسائل، واحدة من شاب ثقيل الظل بشكل مبالغ فيه، وعشان كده قرر يكون الفيديو كوميدي، فقدم فقرة من السماجة منقطعة النظير مفادها أنه مؤيد للحراك الشعبي اللبناني وفي انتظار وصول الفتيات اللبنانيات، وده طبعا بدون أي وعي منه أن كلامه ده بيعني إنه بيتمنى دمار لبنان وإجبار شعبها على الفرار منها، لكنه طبعا منتبه لإصراره على رسالة التحرش بوصفها خفة ظل.
الرسالة التانية كانت برضه من شاب، الحقيقة هو ماستخفّش دمه نهائي، إنما اكتفى بتقديم كل الأدلة العملية الممكنة على إمكانية اجتماع الغباء والجهل وعدم الموضوعية والتناقض في جسد واحد.
أما الرسالة التالتة والأسوأ والأبشع على الإطلاق كانت من فتاة مصرية، أنثى من النوع اللي بيدافع عن الأنطاع اللي بيركبوا عربية السيدات، أنثى ماركة \”ما خلاص يا اختي هو خد منك حتة يعني\”، هذا النوع المهين للأنوثة كفكرة وللإنسانية كمجموعة من السلوكيات، أكدت هذه الجاهلة أن الرجال في لبنان \”زيهم زي الستات.. ما عندهمش نخوة ولا كرامة\”، وهذا لا يؤكد فقط كونها من مرددي أي كلام بتسمعه وهي في أي مصيبة، إنما كمان إنها ترى نفسها بلا كرامة، هذه الكائنات المنحطة تمثل نسبة كبيرة من الشعب المصري، واللي مش مصدقني يسأل أي أنثى تقابله، هذه الكائنات المتخلفة عن البشرية كانت بالفعل تمثل نسبة كبيرة من المتواجدين في ميدان التحرير وباقي ميادين مصر، وهذا ليس اتهاما للثورة المصرية، إنما توضيح للوضع العام، فمن أين لأي دولة بثوار إلا من داخل شعبها، ونحن يا سادة شعب أصبح يربط بين الرجولة والاعتداء على النساء.
صدقت الفتاتان اللبنانيتان، فإن ثورتنا محكوم عليها بالفشل لأن من قاموا بها هم نحن، أصحاب هذه النظرة الذكورية الرجعية الهمجية المتخلفة، فكيف لمن يحمل هذه الأفكار العفنة ويتباهى بها أن يكون ضد الفساد ويحاربه وينتصر عليه، فالفساد والتحرش ينتميان لمعسكر واحد.. هو القبح.