رامي يحيى يكتب: القبض على شحاتة هارون متلبسا بالوطنية

مقدمة ضرورية:

هذه السطور كتبت للرد على د. لميس جابر، ومقالها التحريضي ضد الأقليات المصرية، المنشور بموقع \”مبتدا\” في 21 يوليو الجاري، كتبته بلغة أقل حدة، وتم إرساله لإدارة موقع \”مبتدا\”، استناد لمبدأ \”حق الرد\”، لكن الإدارة تجاهلت الرسالة والمقال والحق في الرد، مثلما تجاهلت كم التشهير والتحريض والعجرفة والاتهامات الجزافية في مقال كاتبتهم المصون.

\”المعبد اليهودى ينظم إفطارا جماعيا للأقليات في مصر\”.. سعدت جدا وأنا أقرأ هذا الخبر للعام الثاني على التوالي، وذلك تحت عنوان/ شعار، نحن في أمس الحاجة إليه، \”تعدّدنا قوتنا\”، فقط كنت أتمنى أن يشارك ممثلون عن \”أولاد علي\” وقبائل البجاوية، كما تمنيت أن يشارك فيه هذا العام ممثل رسمي من الحكومة المصرية، لكن يبدو أن أمنيّاتي بالثراء والقوة المبنية على التنوع دائما ما تصطدم بمواطنين يعانون من مشاكل في الوعي.

ففي العام الماضي وجدت نفسي مضطرا للكتابة دفاعا عن الفكرة، التي حاول البعض تشويهها عن قلة وعي وثقافة، لكن نحمد الله أنهم هذا العام كانوا ضمن المشاركين، لكنني مجددا أجد نفسي مضطرا للكتابة هذا العام عن نفس الموضوع، لكن ليس بسبب قلة خبرة أو ثقافة بعض الشباب، إنما بسبب تحجّر ذهنية إحدى المحسوبات على النخبة المصرية، فيبدو أن سيادتها قد تعطلت تماما عند أواخر خمسينيات القرن المنصرم، فهي ترى بتلك النظرة وتحلل الأحداث بتلك الذهنية، فمن الطبيعي أن تصل إلى نتائج تجاوزتها الإنسانية منذ عقود.

مازالت د. لميس متوجسة من المصريين اليهود، ما يؤكد أنها راكنة في الخمسينيات، فلم تدرك أن أعداد اليهود في مصر عشرات، وأن المعبد اليهودي ليس تحت تصرفهم أساسا، وأن إقامة الفاعلية يعني الحصول على موافقات أمنية رفيعة المستوى، لكن الذهنية الخمسينية ترى العدوان الثلاثي على الأبواب، أو انتهى منذ قليل، والعامة في ذلك الوقت لا يرون في المصريين اليهود سوى طابور خامس للعدو، أما مثقفو تلك الحقبة كانوا يعلمون مَن هو \”شحاتة هارون\” المناضل المصري اليهودي الذي حارب الصهيونية طوال عمره، ودفع ثمن نضاله من عمره وحريته وحياة إحدى بناته، شحاتة هارون الذي جهل به الكثير من المصريين في حياته، وطعنته د. لميس جابر في مماته بتشكيكها وعجرفتها غير المبررة تجاه ابنته السيدة ماجدة هارون، فهل يعقل أن تزايد من تطالب بطرد ومصادرة أموال الفلسطينيين، على أحد أعمدة أسرة دفعت من حياتها وأفرادها ثمنا للعداء مع إسرائيل، ودولته وكل مطبلاتية النظام يشككون في وطنيته ونزاهته، رغم إن كل الخيارات الأخرى لحياة رغدة كانت متاحة فقط بالتخلي عن الانتماء لهذه البلد.

تلك الحقبة التي أكل عليها الدهر وشرب كانت تشهد تألق الاتحاد السوفييتي، وفي توضيح سريع للشباب.. هذا هو اسم كيان سياسي ضخم انتهى من الوجود منذ رُبع قرن، قبل حتى الهدف المونديالي لمجدي عبد الغني، وتخلف عنه عدد من الدول أكبرها وأثقلها وزنًا الآن \”روسيا\”، كانت هذه الدولة البائدة تنتهج أسلوب قتل أي نزعة فردية.. وبنفس المنطق كانت تتعامل مع الأقليات، فكان التذويب هو منهج النظام السوفييتي في تعامله مع العرقيات والثقافات المختلفة التي تضمها جمهورياته، السياسة التي صدّرها للدول التي كانت تدور في فلكه، والتي انهارت مع انهياره وتفككه، يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا نموذجا، فمن الطبيعي جدا أن ذهنية تنتمي لذاك العصر يمكن أن يصيبها الفزع القومي من تجمع أقليات.

لم يدهشني أن د. لميس لا تعرف شيئا عن آلاف المصريين الأمازيغ، فهذا الحديث لم يكن منتشرا في الخمسينيات، لكن صُعقت حين وجدتها تعرف \”شيشنق الأول\” ومع ذلك تجهل أن التقويم الأمازيغي أقدم من التقويم الميلادي، حتى إنها نسبته للسيدة أماني الوشاحي!

أما أكثر ما أسعدني في المقال هو حديث الدكتورة عن سعي بعض النوبيين لتدويل القضية النوبية بهدف الانفصال، فهذا ولله الحمد معناه أننا وصلنا للخطاب المباركي، ما يعد قفزة زمنية كبيرة نحو اللحظة الراهنة، التي شارك فيها النوبيون ضمن باقي الشعب المصري في كتابة دستور بلادهم، وصوّت ملايين المصريين بالموافقة على الدستور الذي يذكر النوبة في ديباجته، ويضع لبنة لإعادة النوبيين لأراضيهم عبر مادته رقم 236، لكن حتى لا تحرمني الدكتورة من الدهشة ألصقت تهمة العمل على انفصال قرى النوبة بالدكتور البرادعي، وكأن القفزة الزمنية الواسعة من الخمسينيات لبدايات الألفية الثالثة دفعة واحدة أربكت الكاتبة، فاختلط عليها أن تشويه د. البرادعي يكون عادة عن طريق أسطورة \”هو اللي سلم العراق\”.

طبيعي جدا أن ذهنية خمسينية النزعة لا تعرف أن الخطر الذي تواجهه البلاد الآن ليس من اليهود أو البهائيين أو النوبيين أو المسيحيين أو حتى الملحدين، وأن مصدره هو المتشددون من المسلمين السنة.. نعم يا د. لميس.. تخيلي! لقد انقلب المسلمون على المصريين بعد كل هذه الأعوام من الاستضافة الكريمة، التليفزيون يا أفندم صارت به قنوات كثيرة كلها تؤكد أن الجيش المصري يحارب تنظيما مسلحا يحمل اسم \”الدولة الإسلامية\”، تنظيم استولى على مساحات شاسعة من العراق وسوريا وليبيا، ويحاول جاهدا أن يحقق مكاسب ضد الجيش المصري، لكن الجيش، الذي يضم بين أبطاله مسيحيين ونوبيين وملاحدة و… و… و… يقف لمشروع الخلافة الجديد هذا بالمرصاد، وإن كان لابد من التوجس أو حتى الرعب من طابور خامس ما، فستجدينه في أقرب زاوية أو حتى داخل الأزهر شخصيا، وليس في المعبد اليهودي أو الكنيسة أو بين الأمازيغ والنوبيين.

ختاما.. أهمس في أذن د. لميس، وكل من يتبنى تلك الأفكار البائدة، لقد عمل السوفييت ومن والاهم على تذويب الأقليات، بينما عمل الأمريكان على الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي والديني في المجتمع الواحد، وفي عام 90 انتهت الحرب الباردة بإعلان الاتحاد السوفيتي حل نفسه، وتم تقسيمه إلى عدة جمهوريات.. هو وعدد من دول الكتلة الشرقية، في حين لازالت الولايات الأمريكية متحدة، ونجحت دول أوروبا الغربية في خلق اتحاد كونفدرالي جديد وقوي يضم العديد من دول القارة العجوز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top