انتشرت صورة الطفل السوري المسكين على المواقع الإخبارية وصفحات السوشيال ميديا بكثافة، وتم التنويع عليها \”كوميكات\” ولوحات، والتنويعات دي هتنتشر برضك انتشار النار في المحصول وهتتوغل.. وتنتشر.. وهتتوغل… وتنتشر… ثم فسسسسسسسسسسسسسسسسسس، زي ما حصل مع كل حكايات وقصص المذابح والفظائع الإنسانية اللي بتشكل المسار الحقيقي لتاريخ الإنسان، المسار الحربي الدموي اللي قايم على أساسه النظام العالمي كله، سياسيا واقتصاديا.
الناس اللي بتسأل \”فين الأمم المتحدة\”، على فكرة يا أساتذة المنظمة دي تم تأسيسها بعد الحرب العالمية التانية اللي راح ضحيتها أكتر من 50 مليون إنسان، تولى تأسيسها الدول اللي خرجت من المجزرة دي منتصرة، الدول صاحبة الجيوش الأقوى في تكتل الحلفاء، بريطانيا وفرنسا والصين والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وهي نفسها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، واللي أي دولة فيها ليها الحق في وقف أي قرار مش عاجبها ولو حتى كل الكوكب موافق عليه، والمعروف باسم \”حق الفيتو\”، والمقر الدائم للمؤسسة بيقع في الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة اللي حسمت الحرب العالمية التانية على جثة حوالي رُبع مليون مدني، قتلوا نتيجة قصف هيروشيما وناجازاكي باستخدام القنبلة الذرية، وده طبعا غير الآثار الإشعاعية القاتلة اللي استمرت لسنين، والتشوهات والأمراض اللي ضربت أجيال اتولدت بعد القصف أساسا.
الناس اللي دماغها أضيق وبتسأل: \”فين الأمة الإسلامية؟\”، على فكرة يا أساتذة.. أنتم تحديدا تحمدوا ربنا أن الكاميرات ظهرت بعد ما موازين القوة اتغيرت، فكم المذابح اللي ارتكبها المسلمين تجاه الإنسانية لا تقل دموية عن اللي ارتكبتها أي إمبريالية تانية في التاريخ البشر الدموي، وبعدين صحيح تعالوا هنا، مسلمين مين اللي بتدوروا عليهم، أنتم ناسيين أن اللاجئين دول بيفروا من جحيم الحرب بين المسلم بشار الأسد وخليفة المسلمين أبو بكر البغدادي؟ أنتم ناسيين أن اللاجئين دول عندهم حدود برية مع كذا دولة ذات أغلبية مسلمة، زي مثلا تركيا الوريث الشرعي للخلافة العثمانية، واللي بيحكمها دلوقتي حزب إسلامي، وزي الأردن اللي ملكها بيتفشخر بنسبه الممتد للهاشميين، والسعودية منبت الإسلام أساسا، ومع ذلك خاطروا بمحاولة الفرار بحرا في اتجاه الغرب الكافر، وفي نفس الوقت شهدت الدول دي خروج الآلاف من الكفار لاستقبال اللاجئين اللي نجحوا في الوصول؟
أما الناس اللي دماغها أقليمية ع الآخر وبتسأل \”فين الأمة العربية؟\”، دول مضطر أضحك لهم ضحكة رقيعة الأول ثم.. \”أمة مين يا أبو أمة؟\”، ركزوا كده والنبي وخدوا بالكم أن الأسرة المنكوبة دي من الأكراد، الأكراد اللي طول عمر العرب مكفرين سيئاتهم، إن كان في العراق أو سوريا، من أيام جوز السفاحين البعثيين القومجية المعروفين إعلاميا بصدام حسين وحافظ الأسد، الأسرة الكردية دي ماتت وهي بتحاول تفر من الحرب بين الجيش العربي السوري بقيادة القائد العربي بشار الأسد، وجيش الدولة الإسلامية بقيادة الخليفة العربي أبو بكر البغدادي، الأسرة الكردية دي وغيرها كتير، من أكراد وعرب، اختاروا المخاطرة بعبور البحر واللجوء لدول أوروبية، دول شعوبها خرجت بالآلاف تتظاهر في الإعلان عن ترحيبهم باللاجئين السوريين ومطالبة حكومتهم باستقبالهم ومعاملتهم بأفضل شكل ممكن.
الناس بقى اللي بتخاطب ضمير الإنسانية النايم في العسل، فدول أكتر ناس بيصعبوا عليا، مش بس عشان لا حياة لمن ينادوا، إنما كمان لأنهم بيقعوا في تعاطفهم ده فريسة لحسابات بره عنهم تماما، لكنها بتأثر عليهم وعلى مواقفهم بشكل مباشر، بفضل التعليم والإعلام والثقافة.. إلخ، فالوضع المخيف في سوريا مستمر منذ 4 سنوات، وفي نفس الوقت دولة الصومال تقريبا اتمحت من الوجود، بس لأن وسائل الإعلام مش بتتناول أخبارها ولا صور الكوارث اللي فيها فالأمر بيمر مرور الكرام، حضراتكم مابتاخدوش بالكم إلا من اللي الإعلام بيصدره والتعليم بيغرس فيكم إنهم أقرب الناس ليكم، وبالتالي هتلاقي المواطن الصومالي واخد على خاطره منكم.
زيه زي المواطن السوداني في دارفور أو النيل الأزرق أو جبال كردفان، اللي عايش تحت قصف طائرات الأنتينوف، بشكل شبه يومي، وماحدش بيسأل فيه نهائي، طبعا الجماعة اللي بينادوا على \”الأمم المتحدة\”، دول عادة بيبصوا شمالا بس.. فطبيعي اللي في الجنوب مش منتظرين منهم حاجة، والجماعة بتوع \”الأمة الإسلامية\” دول مابيعرفوش يتعاطفوا مع أي حاجة إلا لو خدت لون إسلامي، فتلاقيهم مركزين قوي مع بورما اللي ماحدش فيهم عارف مكانها ع الخريطة عشان اللي بيروج للموضوع قال إنها حرب على الإسلام، إنما المسلمين اللي بيتقتلوا في السودان ماحدش فيهم فكر يبيع البيعة دي خالص، أما الأخوة بتوع القومية العربية فدول أساسا ماحدش من المنكوبين في السودان مستني منهم حاجة، لأنهم تقريبا بيتقصفوا باسم العروبة وبتمويل وتغطية سياسية من الأنظمة العربية، وعشان ده كله مش بيلاقوا حد يستحق الزعل منه إلا أنتم أيها الباحثون عن ضمير الإنسانية، لأن من المفترض أن البشر سواسية، وأنكم أكتر ناس مؤمنة بالموضوع ده، كمان أمثالكم في الغرب قادرين يشوفوا الكوارث اللي بتحصل، والصور والفيديوهات بيتم نشرها، لكن عقولكم اللي تم تدريبها من الصغر على النظر في أي اتجاه إلا الجنوب، مش مخلياكم تشوفوا اللي بيدور هناك كويس، ونادرا ما بيكون على صفحاتكم أصدقاء من هناك، وببساطة تقدروا تراجعوا مدى اهتمامكم بالأحداث في سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن وبين موقفكم من الأحداث وقت الثورة في السودان.
نذر يسير مما يدور في الجنوب المنسي.. اضغط هنا