الصراع بين النظام والأزهر هو حدث كاشف، يقدر متابعه معرفة مصير مصر وعقلية نخبتها السياسية، الصراع دائر على إبطال العمل بالطلاق الشفوي من عدمه، النظام بقيادة السيسي عايز يبطل الاعتراف بالطلاق الشفوي، والأزهر بقيادة الشيخ الطيب مُصر على التمسك بوقوعُه.
الصراع ده بيوضح جدًا الموقف السياسي والفكري لـ3 أجنحة مهمين في حياتنا:
1- النظام السياسي الحاكم.
2- الأزهر كمؤسسة دينية رسمية.
3- المثقفون والمعارضة المدنية.
النظام:
النظام السياسي مايقدرش يقدم فتوى دينية، ففورًا تحرك الإعلام، فشنت \”الوطن\” حملة ضد الأزهر مُشَّبِهة موقفه بمواقف الإخوان، كنوع من تمهيد الرأي العام لضرورة الهجوم عليه، ومؤخرًا أعلن محمد أبو حامد، نائب الشعب! إنه بيعكف الآن على إعداد مشروع لتعديل قانون الأزهر، وطبعا الدافع وراء عمله الدؤوب مش إن الأزهر ضد حرية الرأي والتعبير ولا إنه كفّر باحثا لا يملك إلا كلمته، زي إسلام البحيري، ورفض تكفير جماعة إرهابية، زي تنظيم الدولة الإسلامية الشهير بداعش.
كل المجهود ده من النظام السياسي مع إن الموضوع له حل قانوني بسيط جدًا وبعيد عن أي صراع، وهو تفعيل الزواج المدني، والزواج المدني يا سادة هو زواج بعقد بيتسجل في الشهر العقاري، يعني عمليا لا يختلف عن الجواز بتاع المأذون في أي حاجة، والنوع ده بقى طبيعي كده مافيهوش طلاق شفوي. إنما لازم يتم تسجيله بشكل رسمي زيه زي أي فسخ تعاقد، بس يبقى السؤال: هل النظام الحاكم يهمه فعليًا التأسيس لدولة مدنية حديثة، ولا عايز الدولة بشكلها الحالي من تداخل المؤسسة الدينية في السياسة والحياة العامة. شرط أن تكون المؤسسة دي تابعة له؟
الأزهر:
موقف الأزهر في المعركة دي معقد، مبدئيًا كده الأزهر طول عمره مؤسسة رجعية ضد أي تجديد من أي نوع، والشيخ محمد عبده اللي بيحكوا ويتحاكوا عنه. الأزهر كان ضده طول الوقت، فبالتالي هو ضد أي تجديد أو تطوير من أي نوع، والمقترح بتاع الطلاق ده لو طلع من حد تاني، كان زمان الأزهر أتهمه بالكفر والزندقة، وكان هيترفع على صاحبه قضية حسبة، وشرعًا ماحدش يقدر يكدبهم، فالأصل في الزواج والطلاق هو الشفاهة. أما الورق \”القسيمة\” دي حكاية جديدة مالهاش أصل في الدين أساسًا، إنما إجراء قانوني لحفظ الحقوق، فمثلًا لو اتنين طبقوا كل شروط الزواج الإسلامي بدون مأذون وقسيمة، هيبقى جوازهم شرعًا سليم. ولو الزوج رمى على الزوجة يمين الطلاق، تبقى شرعًا طالق منه، إنما قانونًا بقى فمافيش أي حاجة تثبت القصة كلها.
مش عايز أكلكع الدنيا في دماغ اللي بيقرا، بس باختصار موقف الأزهر شرعًا سليم تمامًا، ولكن. و\”لكن\” دي يتحط تحتيها خطين، كل منهم يخص موضوع، خط يخص السياسة وخط يخص الشرع، خط السياسة هو البيان والتصريحات اللي بتصدر عن الأزهر وبتلسن على تدني مستوى الحياة بالنسبة للمواطن العادي مرة. ومرة تانية على غياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية، والأزهر في الحالتين بيتكلم صح، بس زي ما النائب محمد أبو حامد مانتبهش لكون الأزهر عقبة في سبيل تطوير الخطاب الديني إلا لما تصادم مع الرئيس، فالأزهر ماخدش باله من تدني مستوى معيشة المواطن البسيط ولا من غياب الديمقراطية إلا لما صلاحياته بقت في خطر.
أما الخط التاني، \”بتاع الشرع\”، فبيأكد على رجعية الأزهر ورفضه لأي تطوير وتجديد لمواكبة الظروف الزمانية والمكانية والمجتمعية. إلخ، لأن التاريخ الإسلامي فيه سوابق للتطوير والاجتهاد حتى في حال وجود نص قرآني مُشرع، أذكر مثلًا واقعتين حصلوا في عهد الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، الواقعة الأولى كانت خلال المجاعة المعروفة باسم \”عام الرمادة\”، وقام فيها بتعطيل العمل بحد السرقة على من يسرق ما يسد جوعه أو جوع ذويه، وبعد نهاية المحنة أعاد العمل بالحد مرة تانية، يعني فيه إمكانية للتعديل والتطوير في الأحكام الشرعية بشكل مؤقت لمراعاة الظروف الطارئة.
الواقعة الثانية كانت إبطاله لباب من أبواب مصارف أموال الصدقات والمذكور نصًا في القرآن، فقد قال تعالى: \”إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم\”، وهو ما طبقه النبي ومن بعده أبو بكر الصديق، بينما رأى بن الخطاب أن ماعدش فيه داعي لصرف الأموال في باب المؤلفة قلوبهم، وتم إلغاء العمل به حتى الآن، يعني نقدر نقول إنه لغاه خالص، وبرضه أخد الموقف ده بناء على ما استجد من ظروف حياتية.
إذًا وبناء على الخطين دول، تبقى الجملة التامة بتقول: موقف الأزهر شرعًا سليم تمامًا، ولكن التطوير أو الاجتهاد في سبيل تماشي الشرع مع متطلبات الحياة أمر وارد، بيرفضه الأزهر، والرفض ده مش عِنّد مع الرئاسة، إنما هو جزء أصيل من الذهنية المحافظة للأزهر.
المثقفين والمعارضة المدنية:
دول بقى موقفهم في رأيي هو الأصعب، فخلافات الأزهر مع المثقفين تاريخية ويحتاج سردها لمجلدات، فهل النظام هيلاقي منهم حد يلعب دور \”مخلب القط\” في الهجوم على الأزهر؟ وهل اللي هيوافق يلعب الدور ده، هيسحب قصاد ده مكاسب في صالح -مشروعه المُفّتَرَض- العمل على ترسيخ أسس مدنية الدولة؟ ولا هيسحب قصاد ده مكاسب في صالح مشروعه الشخصي؟
أما المعارضة السياسية المدنية، فهل هتاخد جانب أحد الطرفين. ولا هتقدر تستغل الفرصة وتتبنى \”الزواج المدني\” كبديل عملي. ولا هترفع شعار \”اللهم اضرب المؤمنين بالمؤمنين\”؟
ملحوظة:
ماينفعش نحسب موقف النائب محمد أبو حامد على المثقفين ولا على المعارضة المدنية.