– قالت: \”أحب هذا الثوب\”، فهتف: \”لا، لا يمكنك يجب أن تحتشمي. المرأة يجب أن تحتشم\”
ولكنها تحب الثوب، ولن يعتب أحد ولن يزعل أحد.
– قال: \”أريد أن أبكى\”، فهتفت: \”لا، لا يمكنك البكاء. الرجل لا يجب أن يبكى\”.
ولكنه يريد البكاء، لا شئ يعجبه، لا الراديو ولا صحف الصباح، ولا القلاع على التلال.
– قال: \”لا أريد الحرب، أريد أن ألعب على الثلج\”، فهتفوا: \”لا، لا يمكنك اللعب، الرجل يجب أن يحارب لقد ولعت الدنى\”
ضاع شادى
– قالت: \”أريد أن أصرخ\”، فهتفوا: \” لا، لا يمكنك الصراخ، أولا الرضا ثم صوتك. لا يجب أن يعلو صوتك\”
ولكنها تريد الصراخ وآه لو يعرفوا معنى زئير الأسد.
– قال: \”فليفعل ما يريد، لا بأس\”، فهتفوا: \”لا، لا يمكنه أن يفعل ما يريد، يجب أن تغضب وأن تعترض\”
ولكنه يحبه ويريد أن يتركه يفعل ما يريد، فهو يدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه.
– قال: \”سأكلمهم حتى يفهموا، لن أتوقف\”، فصرخوا: \”لا، لا يمكنك الكلام، توقف فلا فائدة\”
ولكنه يريد أن يفعل كما يفعل السجناء وكما يفعل العاطلون عن العمل، يربي الأمل.
تمسك بالحبل الذى يشنقك، ولكنك لا تقطعه بالطبع، تستخدم ما يزيد عن حاجة من يشنقك لتشنق ضحية أخرى.
أنت تحيا فى ظروف اقتصادية تشعر أنها -إن كنت شديد التفاؤل- ليست جيدة.
السياسة أيضا ليست بخير. المجتمع يضغط عليك بشدة كل صباح لتسير في مسارك المحدد وأنت في معظم الوقت لا تملك القدرة، ولاحقا تفقد الرغبة على المقاومة.
يتبقى لك في يومك -إن كنت محظوظا- القليل من الوقت والطاقة. هذا الوقت الذي هو ملكك حقا ولك مطلق الحرية في استخدامه كما يحلو لك.
يمكنك بهذا الوقت والجهد أن تمارس الرياضة، ترسم، تعارض السُلطة، تتعلم لغة جديدة، تستمع لأغنيتك المفضلة أو حتى، لا تؤاخذنى. تقرأ. يمكنك أيضا أن تقوم ببعض الأفعال البسيطة التى قد تساهم فى تحسين مستوى حياتك، كأن تقوم بإصلاح صنبور المياه فى البيت فتتخلص من الأرق الذى يسببه لك.
تترك يا عزيزى كل هذه الأنشطة الممتعة والمثمرة وتمارس نشاطا آخر، هو بالتأكيد ممتع لك ولكنه ليس فقط غير مثمر، بل فى الغالب مؤذٍ لك وللآخرين. تمارس الرقابة على كل من تسول له نفسه القيام بنشاط ما. نشاط لا يخالف القانون ولا يؤذي أحدا أو شيئا ولكنه يؤذى نفسيتك المتعبة.
يمتد هذا النشاط الرقابى ليشمل أفراد عائلتك، جيرانك، زملائك فى العمل وحتى المارة في الشارع.
تتفاوت بالطبع شدة الرقابة وأساليب تطبيقها من رقيب إلى آخر، فيكتفى أحدهم بالنميمة وآخر بالنصيحة الواثقة الحكيمة وأخيرا العنف الجسدى المباشر لتتجلى مقولة برنارد شو \”الاغتيال هو أقسى أنواع الرقابة\”.
طبعا تتسلح وأنت تقوم بهذا الدور بكل الأدوات المفيدة، بداية بالدين مرورا بالعادات والتقاليد، تعليق خارج، وصولا إلى أشياء مثل تجربتك أنت الشخصية وحيائك والخصوصية الثقافية والتاريخية والجيولوجية.
أتفهم طبعا أن هذا النشاط يساعدك على التنفيس عن كل ما تشعر به من ضيق وضغط عصبى، ولابد أن جزءا من هذا الضغط يرجع فى الأصل لرقابة ما تمارس عليك، فقانون الضحية التى تصبح جلادا يبدو فى قوة قوانين الفيزياء لا يهادن.
والآن إلى الخبر المدهش، عندما أعلن نيوتن أن لكل فعل رد فعل، كان يقصد القوة فيزيائيا، ولكن يبدو أن البشر أحيانا يخضعون لهذا القانون. حينما تمنع أحدهم من بيع الأقلام بحجة أن أحدهم يكتب ما لا يعجبك، يقوم آخر بمنعك من أكل البرتقال لأنه لا يحبه. لا لن أعطيك أمثلة أوضح من هذا حتى لا نغرق فى التفاصيل، معظمنا يريد أن يفعل شيئا ما، لا يهم حقا أحدا غيره ولكن الدائرة المقيتة من تبادل الرقابة تمنعه.
يبدو أيضا أن هناك من يخاف أن يسمح ببيع الأقلام لأنه يخشى ألا يستطيع أكل البرتقال حتى إذا سمح له الآخرون بذلك، صدقنى مجرد المحاولة تستحق.
تخيل وتخيلي فقط معى أننا سنموت جميعا يوما ما، بدون أن يشتري أحدنا أقلاما ولا أن يأكل آخر برتقالا لأننا تناطحنا كالكباش فى دائرة من العناد لم تنفع إلا طرفا ثالثا يفعل ما يحلو له ويضرنا فعلا وهو يفعل. نكون قد حرمنا أنفسنا من لحظات من السعادة لم تكن لتضايق أحدا إلا من لا يحب القراءة أو الموسيقى أو المعارضة.