راجي شريف يكتب: ليس صراعا على الهوية.. بل هو صراع على الحرية

أحد المعضلات السياسية المسببة للكثير من الصراعات في الشرق الأوسط هو ما تم الاتفاق علي تعريفه بمعضلة الإسلام السياسي والصراع على الهوية. من تركيا إلى إيران ومن المشرق العربي إلى مغربه، يطل الصراع على الهوية برأسه دائما كجزء أساسي من الصراع على السلطة السياسية.

بعد قيام ثورة يوليو كانت الهوية القومية العربية مهيمنة على المجال السياسي العربي ولكن بعد موت عبد الناصر وظهور البترول في الخليج العربي وقيام الثورة الإسلامية في إيران وبدايات ظهور الحركات الجهادية الإسلامية على الساحة الدولية وفوز الأحزاب الإسلامية في تركيا، تحول الصراع على الوحدة العربية والهوية القومية إلى صراع على الهوية الدينية الإسلامية في غالبية الأقطار العربية على اختلاف أنظمتها السياسية.

مع تحول الصراع اختلفت الأدوات وأصبح احتكار الحديث باسم الإسلام بديلا لاحتكار الحديث باسم العروبة والتحرر القومي من الاستعمار. أصبحت قوات الاستعمار عدوة الدين بعد ما كانت عدوة للوحدة العربية. ويظل المشترك في كل هذه التغييرات هو إلقاء اللوم على غير الأجنبي كسبب مباشر لممارسة السلطوية السياسية اللازمة لدحر الأعداء المتربصين.

\”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة\”، هو الشعار المفضل لدى جميع النظم السياسية العربية السلطوية المغتصبة للسلطة بالقوة. ولكن هل المعركة الحقيقية هي مع قوى الاستعمار أم مع الدول الغربية؟ أم مع إسرائيل؟ أم أن المعركة الحقيقية هي بين السلطات الغاصبة للسلطة وشعوبها التي تتوق للحرية والكرامة وحق تقرير المصير؟

النجاح في الصراع مع الغرب أو إسرائيل أو أي كيان في العالم، هو صراع عسكري أو اقتصادي والاثنان متشابكان لا فصل بينهما. الاستقلال الاقتصادي لا يكون دون تقدم علمي وتعليمي وثقافي، والاستقلال العسكري لا يكون أيضا دون تقدم علمي وصناعي. المشترك هنا هو تقدم تعليمي واقتصادي وعلمي. والثلاثة لا يجتمعون دون حماية القانون والدستور ودون حماية حق الإنسان في الكرامة والحريّة والمساواة. الإنسان الحر هو الإنسان المبدع. الإنسان المصانة كرامته وحريته هو الإنسان القوي المحتمي بقانون عادل وناجز. الإنسان هو ركيزة المجتمع والمجتمع هو ركيزة الدولة وليس العكس. مؤسسات الدولة هي من تحمي المواطن الإنسان وكرامته. الحرية التامة تعني الحرية الدينية والحرية الشخصية دون أي تعارض بينهما في إطار قبول واحترام الآخر.

إذا أردنا الانتصار على أعدائنا في الداخل والخارج، فليس أمامنا غير الانتصار في الصراع على الحرية حتى ننال حريتنا الدينية والشخصية والسياسية وكرامتنا الإنسانية المصونة بالقوانين العادلة والدساتير الفاعلة. فليس الصراع على الهوية سوى سراب غارقين فيه حتى لا نلتفت للصراع الحقيقي للحصول على حريتنا الكاملة غير المنقوصة التي بأدواتها نستطيع الانتصار لبلادنا ولهويتنا، وأيضًا لإنسانيتنا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top