رائد حسين يكتب: نظرية التطور.. باب الخيانة

صار الجميع على علم بالقصة الشهيرة التى أثمرت نظرية التطور التى صاغها \”تشالز دارون\” فى كتابه \”أصل الأنواع \”. تتلخص القصة بأن دارون التحق برحلة على متن سفينة البيجل التابعة للبحرية البريطانية كهاو، لكن الملاحظات التى سجَّلها وضعت لبنة الأساس لعلم البيولوجيا التطورية وفجَّرت ثورة كان لها وقعها المدوى فى الفلسفة والدين.

هناك كائنات حية انقرضت بالفعل، وهناك كائنات معرَّضة للانقراض فى الوقت الحالى، وهناك كائنات متشابهة كثيرًا كأولاد عم، وهذا دليل على أن التغير البيئى له ثأثيره على الكائنات الحيّة على المدى البعيد، فبعضها ينجح فى تطوير وسائل جديدة، وبعضها يصارع للحصول على يوم إضافى، وبعضها يستسلم للفناء.
يُقال إن للتطور عاملين مهمين: الزمن والموت. وهذا يجعل مراقبة عملية التطور مستحيلة، وإنما يُستدل عليها بحفريات الأزمنة السالفة وما أورده علم الوراثة فى هذا الشأن. ويقال أيضًا إن الطبيعة قاسية لكنها تعمل لصالح التَّميز والمرونة والملاءمة مع التغيرات، فهى تقتل دون رحمة من يتخلّفون عن مواكبة العصر والتغيّر المناخى. ملايين السنين من الدبيب على سطح الأرض لم تشفع للديناصورات التى طواها الغبار وكلَّسها الزمن.
وكما طوى الزمن الديناصور والماموث والسّنور السَّياف، طوى طراطير العرب المنعوتين بهتانًا بالزعماء، الذين اتخذوا من الحروب الخاسرة المفتعلة مع إسرائيل وتهديدها فى الخطابات العنترية الجوفاء شرعية لاحتكار السلطة، وبطشهم بحق الشعب فى المعارضة والحرية والعدالة.
الذين ضَيَّعوا على الشعوب فرصة الإلتحاق بالعالم واغتنموا مواقعهم وسياسة الرقص على السلم للجمع بين ذرائع القضاء على المعارضة ورضا الخارجية الأمريكية.
لم تعد عداوة إسرائيل باللسان والتنسيق معها تحت الطاولة سياسة متعبة لحفظ ماء الوجه فى بلاد العرب، لم يعد ماء وجه أو قل لم يعد هناك وجه، فمبدأ الانتخاب الطبيعي الذي يُقصي بقوة وقسوة ومنهجية كل العناصر غير الملائمة للبيئة الحالية قد توصَّل إلى أخسّ ما يمكن إنتاجه من هذه السلالة الخائنة التى ترعاها عين صهيون بعناية فائقة، ولا يعزّ عليها التخلص منها بعد ضمان إنتاج سلالة أخسّ وأحطّ وأكثر تبعية وخيانة لبلادها.
وصار العدو المُستغل لإدارة عمليات القمع والحجر على الشعب هو شِعب من الشَعب، إستنادًا إلى سفيه قومه الذى أنشد قائلا: لينا رب وليكو رب.
لم تسلم الشعوب أيضًا من الإنتخاب الطبيعى لصالح الخيانة، سواء كانت الخيانة عن جهل أو استسلام، فلم يعد الخونة يخجلون من شعوبهم، ولم تعد الشعوب تحرك ساكنًا إعتراضًا على خيانة جليَّة تكاد تفقأ عين الشمس.
لا سلام حقيقى مع العدو الصهيونى يسمح بالتنمية والحرية ومواكبة العالم، ولا حرب حقيقية تحدد خطًا فاصلًا بين مرحلتين وتمهد الطريق لنتائج السِّلم المرجوَّة، إنه يستغل الزمن لتطوير الخونة، ووحدهُ الزمن سيسَّلم كل من به رمق من إخلاص إلى الموت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top