مقالي قصة افتراضية عن فتاة في أوائل الثلاثينات تعاني من ارتباك وتشتييت فكري، جعلها تذهب لطبيب نفسي – لا طبيبة –علشان لما تفضفض وتاخد راحتها ويمكن تفتح حنفية العياط وتأوأ متحسش إن منظرها وحش، واهي ست برضه هتفهمها أكتر.
اخدت ميعاد من الدكتورة سعاد، وراحت.. دخلت العيادة، ودفعت المعلوم –مبلغ وقدره – علشان تحكي شوية حواديت وتمشي – بس كله يهون.. تحكي وتستريح ولا تكتم وتتجنن؟ كل ده حوار داخلي بينها وبين نفسها.. مسافة ما دخلت دفعت، وقعدت تستنى المريض اللي قبلها يخرج.. فاقت على المساعد بيقولها: اتفضلي يا مدام ندا.. يا مدام.
قامت ندا، وهي لسه مستغربة نفسها من اللي بتعمله.. أول مرة تروح لدكتور نفسي.. خبّطت بهدوء، ودخلت، شاورتلها الدكتورة سعاد بابتسامة هادية ومريحة: اتفضلي يا ندا: قوليلي أخبارك إيه؟ مالك؟
ردت ندا بكل حماسة: عندي \”عمى ألوان\”.. ازبهلت د. سعاد، وقالت لها: عمى ألوان إزاي يا ندا؟! أنتي عارفة إني طبيبة نفسية، مش عيون؟! أنتي يظهر مش مركزة!
بصت لها ندا، وبعين مفنجلة زي الطبق قالت لها: لا عارفة، وعارفة بقولك إيه.. اسمعيني:
أنا جاية بسبب عمى الألوان، اللي جالي من يوم ما انطسيت في نظري، وحبيبت إنسان غلط.. لا ماحبتش غلط.. أنا جالي عمى ألوان على قلبي.. ربنا صب غضبه عليا.. قرر يديني قرصة ودن علشان افوق واعرف إن الله حق، ولو كنت وهبت حياتي للعمل العام، وعشت عذراء الربيع زي الأم تريزا، يمكن كان يبقى أحسن لي.. بس قضاء الله.. تخيلت إني لقيت الفارس المغوار.. الدكر اللي هيعوضني عن أبويا اللي اتوفى وأنا صغيرة، وقلت: بس.. هو ده اللي هيكون الرجل الحقيقي، وأنا دونا عن كل اصحابي فتكة بقى.. لقيت راجل متحمل المسئولية.. مخلص لبيته وحياته الجديدة.. أب جديد.. صديق عمري اللي هاتكل عليه.. أتاريني كنت اتكلت على كرسي ملخلخ أحسن لي.
أتاريني جالي عمى ألوان على قلبي، وشفته زي ما أنا عايزة اشوفه.. مش زي ما هو أصلا.. أتريني اتعلمت الدرس بالمقلوب.. بس الحمد لله فقت وعرفت غلطتي قبل ما تكبر وتبقى ورم سرطاني يتفشى في حياتي أكتر، ومانعرفش نلمه، وجيتلك تريحيني شوية من التفكير اللي جنن أمي.
وش الدكتورة سعاد عليه انفعال الذهول.. مسكت القلم ودفتر الروشتة، وقعدت تكتب تكتب تكتب، وبعدين إدت ندا الورقة، وقامت قعدت قدامها وحطت إيدها على كتفها: بصي يا روحي.. الأدوية دي كلها لازم تاخديها باستمرار، وماتوقفيش ولا واحد.. لاحسن تنتكسي.. تاخدي إجازة من شغلك، وتطلعي أي مكان هادي بعيد فترة، واشوفك بعد شهر.
أنتي زي الفل يا حبيبتي.. ماتقلقيش.. ده انهيار عصبي حاد، ولحقناكي قبل ما تتجنني أو تنتحري.. بس الحمد لله.
قالت لها ندا: يعني هاخف من عمى الألوان للأبد؟!
الدكتورة: طبعا يا روحي.. بس إوعي إوعي تبطلي الادوية الخمسة دول.. هاه!
مع السلامة.
قفلت الباب وراء ندا، وهي بتقول: ربنا يستر عليها.. مسكينة اتجوزت عن حب يا كبدي