(ما صنعه النائب \”توفيق عكاشة\” لا يجوز، وضرب النائب \”كمال أحمد\” له لا يجوز).. تعبير أجدنى واقف قبالته مندهشا، تارة لاستقامته، وتارة أخرى لاعوجاجه.
من السهل جدا التنظير، وصياغة حالة مثالية، ونحن فى مكاتبنا وغرفنا المكيفة المغلقة، ومن السهل إيجاد حالة متعادلة لإرضاء كل الأطراف. بالتأكيد العنف مرفوض فى التعامل مع الخلاف والاختلاف، لكن ما العمل ونحن أمام خيانة وليس خلافا؟! أمام رجل يخالف المزاج الشعبى الوطنى ويتحداه بالدعوة للتطبيع مع إسرائيل، والاستقواء بالكيان الصهيونى وخلق وقيعة -نحن فى غنى عنها الآن- بين الدولة المصرية الرخوة، وبين الكيان الغاصب لفلسطين والأراضى العربية، نتائجها ليست فى صالح مصر الممزقة.. رجل يستقوى بالصهاينة، وله نفوذ نائب برلمانى، وله قناة فضائية خاصة يبث منها سمومه، وسلطة حاكمة تساعده وتخدّم على أغراضه، وتحمى وتؤمن انتقال سفير دولة العدو الصهيونى إلى منزله. تصرفات خائن وليست تصرفات رجل وطنى، والخيانة عقوبتها الإعدام وسحب الجنسية.. ومع كل هذا يترك الرجل يصنع ما يشاء، ويذيع أسرارا ويقول عنها معلومات، يدعى فيها توسط نتنياهو بين السيسى وأوباما لاعتراف أمريكا بأن 30 يونيو ثورة، ويفاخر بأنه أخطر الجهات الأمنية قبل دعوته لسفير العدو الصهيونى ولقائه فى منزله، وفى المقابل شيخ طاعن فى السن \”كمال أحمد\”.. برلمانى قديم، نشأ وتربى وترعرع على عشق العروبة ومصر فى القلب منها، وقامت حياته على رفضه الاحتلال الإسرائيلى وكراهيته لوجودها.. ليس هذا فحسب، بل كان فى شبابه عضوا برلمانيا أيام حكم السادات، واعترض على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وبسببه ونفر معه من البرلمانين المعترضين، تم حل البرلمان فى آواخر سبعينيات القرن الماضى.. القرن العشرين، واعتقل بسبب مواقفه الوطنية فى اعتقالات سبتمبر 1981 التى اغتيل بعدها السادات.. ماذا تريدون من رجل بقامة ونضال ووطنية وعمر \”كمال أحمد\” أن يصنع، وهو يرى هذا الكائن البرلمانى يتمدد نفوذه إلى درجة الدوس على كل الثوابت الوطنية والترويج للتطبيع والاحتماء بالعدو الصهيونى؟! ماذا تنتظرون منه وهو الشيخ العاقل الوقور، وليس الشاب المتهور، وهو يرى الاستخفاف بمقدسات محرمات يدوسها طفل مستهتر، وهو فى نهاية العمر؟! وهل فيما فعله النائب \”توفيق عكاشة\” ما يستوجب التروى أو التعقل؟! وفى المحاكمات القانونية توضع الحالة النفسية فى حسبان ضمير المحكمة.
ما فعله \”العكاشة\”، هو فعل خيانى دفع السادات حياته ثمنا لهذه المعاهدة الاستسلامية، معاهدة أقرها نظام وانتهى، ورفضها شعب باق خالد، ما فعله الشيخ الوقور المناضل الوطنى النائب \”كمال أحمد\” هو فعل عفوى يمثل الاستثناء ولا يمثل القاعدة، لكنه تصرف أشبه بتصرف شيخ وقور رأى أمامه فجأة \”قواد\” يغتصب عرضه فى وضح النهار.. فقتله، وبعد ذلك يتحدث من لا يعنيهم الأمر عن القانون، وعن مساواة خطأ القواد وخطأ من يدافع عن عرضه.. هذه مواءمات مرفوضة من مثالية ممجوجة. لكل حادثة ظروفها، ولكل قاعدة استثناء، ويبقى ما فعله شيخ النواب المحترمين \”كمال احمد\” هو الاستثناء القاعدة فى التعامل مع الخونة فى غياب الدولة لحماية شعبها، الخيانة كفر بالوطن وأهله، وليست وجهة نظر نختلف عليها أو نتحاور معها.
أعرف وجهة نظر من يدينون فعل \”كمال أحمد\”، ويساونه بفعل \”عكاشة\” من حيث الحساب البرلمانى والتحقيق، وقد أتفهمها، لكننى لست على استعداد للقبول ولا التسليم بها، فهم يخشون من رد فعل العدو الصهيونى والتذرع باتفاقية \”الاستسلام\” التى يجب على مصر الالتزام بها، بينما لم تلتزم بها إسرائيل نفسها، ومما قد لا يدركه هؤلاء سواء كان بحسن نية أو بسوئها، فإن حذاء \”كمال أحمد\” قد أرسل رسالة للكيان الصهيونى، ورفع حرجا من على كاهل القيادة السياسية تجاه الكيان الاستيطانى الصهيونى، مفاده أنه لا يستطيع الضغط على شعب مصر لتسويق التطبيع الصهيونى مع مصر، وأن الحذاء هو الرد على من يسوق التطبيع للشعب.
الضرب بالحذاء لا يميت، إنه فعل رمزى تتمثل قيمته فى حقارته، واستخدامه هو تعبير عن التحقير أكثر منه نوع من العقاب.
أرجو الابتعاد عن الطنطنة والفلسفات العقيمة الفارغة، وادعاء الحكمة والمساواة بين فعلين أحدهما فعل خيانة، والآخر رد فعل على خيانة. ما حدث هو استثناء فى طريقة تعامل مع الخيانة بطريقة شعبية، والاستثناء دائما يؤكد القاعدة، وليس كل استثناء خطأ، ففى زماننا صار الاستثناء هو القاعدة التى يجب أن تفعّل وتنمو.
نعم الضرب بالحذاء ليس وسيلة عقاب، لكنه وسيلة تعبير وتحقير، ترسل لكل متصهين فى الداخل، وترسل للعدو الصهيونى فى الأرض المحتلة رسالة، مفادها هذا قدركم وقدر المتعاملين معكم، وسيستمر طالما مؤسسات الدولة تلعب بطريقتها فى تفتيت الدولة وإضعافها، وطالما هناك فرص خفية لخلق مراكز قوى جديدة لخونة الوطن يستقوون بها على مصر.
نعم ارفض الحذاء كلغة تعامل وتفاهم وحوار بين عقلاء، لكن فى غياب سلطة الدولة ودورها فى حماية الوطن، وتبديد الموروث الوطنى الشعبى، يصير كل شيء مباحا وبأقصى مما حدث.. إدعاء المثالية من الغرف المكيفة المغلقة والأبراج العاجية لإرضاء كل الأطراف، أو تسجيل مواقف فعل عبثى، لا يستقيم، ولا يجوز فيه المساواة بين فعل \”قواد\” ضبط يعتدى على العرض، وفعل مدافع عن عرضه.
الضرب بنعل الحذاء رسالة ووسيلة تعبير للتحقير من شأن العدو الصهيونى والمتعاملين معه، مفادها: \”النعال\” أطهر من أطهرهم.
مصر عربية، وفلسطين عربية، ولا مكان للصهيونية فى بلادنا، ولا فى قلوبنا.. وهذا أضعف الإيمان.