يعمل الأطباء في مصر في ظروف قد توصف بأنها الأسوأ والأخطر على الإطلاق، دون ساعات عمل محددة أو أجر عادل.
يواجه الأطباء يوميا غضب المواطن المصري الناقم على تدني الخدمات الصحية المقدمة، وانعدام التنسيق بين المستشفيات في حالات الطوارئ، وندرة الحضانات وأسّرة العناية المركزة، وغيرها من أزمات سبّبها بشكل أساسي تدني الانفاق الحكومي على القطاع الصحي عموما وغياب الرؤية للإصلاح الجذرى لأزمة الصحة في مصر.
بـ 19 جنيها شهريا – نعم الرقم صحيح – أقل من 20 جنيه شهريا، هو بدل العدوى الشهري الذي يحصل عليه الطبيب بدلا عن إصابته بالفيروسات والأمراض المعدية المختلفة التي تتدرج في الخطورة، وصولا إلى الإيدز، وهو ما حدث بالفعل من قبل لأحد زملائنا الذي وخز بإبرة ملوثة بدم مريض مصاب بالإيدز دون أن يعلم.
وحتى الوسائل الأكثر بدائية \”ماسكات الوجه والسوائل المطهرة والقفازات المعقمة\”، لمكافحة العدوى، يواجه الطبيب صعوبة بالغة في الحصول عليها.
فى دوله يتذيل الملف الصحي فيها قائمة اهتماماتها، يحصل الطبيب على 19 جنيها، في حين تحصل بعض الجهات الأخرى على بدلات عدوى تقدر بالآلاف دون أن يكونوا معرضين للإصابة بالعدوى بشكل حقيقي، ودون أن تمثل الأزمة الاقتصادية وقتها عائقا أمام التمويل.
الدكتورة داليا محرز، طبيبة شابة من الإسماعيلية (28 عاما) وزوجة وأم لطفل صغير، لم تكن الأولى، وقطعا لن تكون الأخيرة في سلسلى ضحايا المهنة السامية في مصر.
منذ أسبوع أصيبت الطبيبة بعدوى التهاب سحائي (التهاب في الأغشية المحيطة بالمخ) أثناء عملها بأحد القوافل الطبية بالإسماعيلية، لتصعد روحها إلى بارئها بعد دخولها العناية المركزة في غيبوبة كاملة، وقد تكفل أهل الفقيدة بمصاريف علاجها الباهظة بالكامل، في ظل غياب الرعاية الطبية اللائقة لمرضى الأطباء الذين يحصلون –مرة أخرى- على 19 جنيها بدلا شهريا للعدوى.
بهذا المبلغ المهين، تتعرض حياة عشرات الآلاف من الأطباء يوميا لخطر الإصابة بألعن خليط ممكن من الفيروسات والأمراض القاتلة، أبسطها الفيروسات الكبدية المزمنة، وتتدرج الخطورة حتى تصل كما في حالة الدكتورة داليا محرز رحمه الله عليها إلى التهاب سحائي قاتل.
كم أبرة وخزت طبيبا يوما ما لتصيبه بفيروس سي اللعين، وهو يحاول انقاذ أحد المرضى؟ وماذا قدمت الدوله لهذا المصاب؟ وهل تكفي أموال الدنيا كلها لتعويضه عن خسارته لصحته؟
فهل تساوي حياة الطبيب المصري 19 جنيها؟! أم كتب على الطبيب المصري أن يعمل بأجر زهيد ليموت في النهايه من العدوى بلا مقابل؟