د. هاني مهنى يكتب: الشاطره تغزل برجل حمارة

\”الشاطره تغزل برجل حمارة\”.. نعلم جميعا معنى هذا المثل، حيث يلقى أغلبنا – كأطباء فور التخرج – في الصحراء، مطالبا بعلاج المرضى دون أية إمكانيات تذكر، لكن المشكلة أن رجل الحمارة – نفسها- أصبحت غير متوفرة في أغلب مستشفيات مصر!

\”مفيش مستلزمات.. يعني العيان يموت\”؟! قالها الوزير معنفا أحد الاطباء بشده، ونحن فى حقيقه الأمر لا نعلم من المسؤول عن تلك المهزله!

هل لك أن تخبرنا ياسيادة الوزير ما السبب في نقص المستلزمات في المستشفيات؟

هل الطبيب هو السبب؟ هل غياب الطبيب عن المستشفى هو السبب؟ وما هي قيمة تواجد الطبيب أصلا في مستشفيات دون إمكانيات ومستلزمات؟ وهل يمكن للشاطرة أن تغزل دون وجود رجل الحمارة؟

الفساد الإداري وضعف الموازنه العامة للصحة وسوء التوزيع، تلك هي مشاكل الصحة الاساسية في مصر يا سياده الوزير.

مشاكل الصحة – السابق ذكرها- لن تحل أبدا بالمرور الإعلامي المصحوب بكاميرات الصحفيين والإعلاميين، والذي يترك أثرا بالغ السوء في نفس المواطن تجاه الأطباء، يمتزج بشعور من الامتنان للسيد المسؤول الذي اخذ على عاتقه معاقبة ملائكه الشر القادمين من انفرنو رأسا تلك الفئة الباغية المسماه بالأطباء.

أبريل الماضي في حادثة شهيرة، لم تهتم بها أي جهة على الإطلاق، قام 40 بلطجيا باحتجاز 4 أطباء في استقبال مستشفى عين شمس، وابرحوهم ضربا، حتى أصيب أحدهم بكسر في قاع الجمجمة! هل تعلم عزيزي المواطن عنهم شيئا؟ هل تعلم اسماءهم؟ هل استضافهم أحد الإعلاميين كأي لاعب كرة مصاب مثلا؟ هل تعلم أصلا  مصير ذلك الطبيب المصاب بكسر في قاع الجمجمة؟!

لن تعلم بالطبع عنهم شيئا, فلا وزارة قوية تدافع عنهم، ولا نقابة تحمي حقوقهم، والآن خسرناك أيضا عزيزي المواطن، نظرا لتواجدنا في مواجهتك يوميا، لتصب علينا جام غضبك تنفيذا لتعليمات الحكومة، والسبب نقص المستلزمات، والتي هي مسؤولية الحكومة بالدرجة الأولى، وليست مسؤولية الأطباء.

هناك تقصير مؤكد من الأطباء.. نعم أنا أؤكد لك ذلك, لكنه في حدود النسبة الموجودة في أي قطاع حكومي، لكن تكمن مشكلة الصحة الرئيسية مرة أخرى في الفساد الإداري وسوء التوزيع وانخفاض الموازنة العامة للصحة.

لن أتحدث عن زملائي الأطباء وهم من رأيتهم بأم عيني ينامون بجوار أسرة المرضى يومين، وأحيانا أكثر في العناية المركزة، أملا في إنقاذ حياة أو حياتين, ولن اتحدث أيضا عن العريس الذي جاء ليلة دخلته لينقذ أحد الأرواح، فكلها تضحيات تفرضها علينا طبيعة عملنا، وقد تعودناها منذ زمن، لكننى سأحدثك عن المواطن الذي يذهب ليلا إلى أحد المستشفيات الحكومية، وقد أوشكت زائدته الدودية على الانفجار، ليجد 10 أطباء، لكن لا يوجد من بينهم جراح واحد، وعلى الجانب الآخر من مصر يتكدس الجراحون في مستشفيات لا يوجد فها غرفة عمليات صالحة أو آلات جراحية، ولو تواجد الجراح والآلات وغرفة العمليات، تجد عجزا فى أطباء التخدير, فهل يمكنك أن تتحمل إجراء جراحة دون تخدير؟

والسؤال الأخير هنا هو: أين ذهب أطباء مصر؟

لقد هربوا عزيزي المواطن.. هربوا من جحيم وزارة الصحة.. هربوا من تلقي اللوم واللعنات المتواصلة من المرضى.. هربوا حتى لا يدفعوا ثمن أخطاء لم يرتكبوها وتقصير هم غير مسؤولين عنه, ومستلزمات هم غير مطالبين بتوفيرها من مالهم الخاص.. لا إلى عياداتهم الخاصة – كما قد يتبادر إلى ذهنك- لكن إلى الخارج, أملا فى استقرار مادى قل أن يتواجد فى الوطن، وهروبا من مشاكل مزمنة عجزت الحكومات المتتالية عن حلها، فالثورة على المنظومة الصحية لا تبدأ من المسشتفيات، لكن تبدأ من هناك.. من 3 شارع مجلس الشعب متفرع من شارع قصر العيني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top