\”كل اجتماع بحضره بحس أني بتولد من جديد، شعر راسي بيقف وجسمي بيقشعر، كأني ضاربة مخدرات\”.. كلام فتاه مدمنة في أحد اجتماعات المدمنين المجهولين بالقاهرة.. \”أول مرة أحس إن فيه ناس شبهي، بتتكلم زيي، بتحس زيي وعندهم نفس الأفكار\”.
بدأت اجتماعات أول مجموعة للمجهولين \”الكحوليون المجهولون\”، لأول مرة في ولاية أوهايو الأمريكية سنة ١٩٣٥بمجموعة من مدمني الخمر (بل وزميله د. بوب) وذلك لمساعدة أنفسهم على الامتناع عن التعاطي، وقد تطور عن تلك المجموعات الخطوات الإثنى عشر، والتقاليد الإثنى عشر، ومنذ ذلك التاريخ، وتتوالد هذه المجموعات، وتمد يد المساعدة ليس فقط للمدمنين، لكن لتشمل مجموعة واسعة من المشكلات السلوكية، ويقدر بعض الباحثين وجود أكثر من 200 مجموعة مختلفة تستهدف مشكلات مختلفة، وتطلق على نفسها: \”المجهولون\”، وتعتمد برنامج الـ ١٢ خطوة كدليل تعافي، وقد نمت عضوية مجموعات \”الكحوليون المجهولون\” عبر العالم لتصل إلى ٢ مليون عضو حتى العام ٢٠٠١، وتتنوع تلك المجموعات لتشمل أسر المدمنين وأبنائهم، والذين يعانون من الأمراض النفسية، والعلاقات العاطفية المضطربة، ومجموعات المثليين ومدمني القمار ومدمني الجنس ومضطربي الأكل أو مرضى النهم العصبي، ومدمني ألعاب الإنترنت، وكل ذلك على سبيل المثال لا الحصر.
يحضر يوميا الملايين من النساء والرجال.. مجموعات المجهولين في بلاد العالم المختلفة بدأ من الولايات المتحدة مصدر ذلك البرنامج إلى دول الخليج وأفريقيا وآسيا، فإذا كنت مدمنا مصريا مثلا وذهبت في رحلة إلى الصين، يمكنك بمجرد وصولك أن تعرف أين يكون أقرب اجتماع لمقر إقامتك، وسوف يساعدك بعضهم من (الزمالة) كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم، على فهم لغة الاجتماع، وسوف يساعدونك فيما يخص تعافيك طوال فترة وجودك، لماذا؟ لأن مساعدة عضو آخر، هو جزء لا يتجزأ من رحلة التعافي، وهو يقع في صلب الخطوة ١٢، وهي خطوة نقل رسالة التعافي إلى مدمن جديد.
دخلت زمالة المدمنين المجهولين مصر سنة 1989، وقبلها بقليل كانت قد بدأت في دولة البحرين، لتنتشر بعد ذلك في أغلب الدول العربية، وقد بدأت في مصر بعدد قليل من المدمنين الذين كانوا يحاولون مساعدة أنفسهم، وقد عانوا كثيرا في البداية، أولا من انتكاس الأعضاء بسبب عدم وجود عدد كاف من المتعافيين ليقدم يد المساعدة، وأيضا الافتقار إلى أماكن آمنة للاجتماع بها، وعدم إيمان المؤسسات العلاجية بهم، باستثناء عدد محدود من المؤسسات الخاصة والأهلية.
والآن.. إذا كنت مدمنا تعيش بالقاهرة، فأمامك ١٧ مكان مختلف وآمن يمكنك أن تحضر به اجتماعك وتمارس تعافيك يوميا، وهناك اجتماعات يومية كذلك، وفي أغلب محافظات مصر بشمالها وجنوبها، ومن سينائها إلى دمنهورها.
أما عن المجهولين الموجودين في مصر – وعلى حسب معلوماتي – فيوجد مجموعات للمدمنين المجهولين، والكحوليين المجهولين، والمقامرين المجهولين، والمدخنين المجهولين، ومدمني العلاقات المجهولين، وأهالي المدمنين المجهولين، وأبناء وبنات المدمنين المجهولين، والمثليين المجهولين ومدمني الجنس المجهولين.
\”نحن مجموعة من النساء والرجال آمنا بأن الشهوة هي القوة الدافعة خلف ممارساتنا الجنسية، والرصانة الحقيقية تتضمن انتصارا تدريجيا على الشهوة، لقد فرضت هذه التجارب نفسها علينا في بوتقة تجاربنا وتعافينا، لم يكن لدينا خيار آخر، ولكننا وجدنا أن قبول هذه الحقائق هو مفتاح لسعادة وحرية مرحة\”.. هذه الجملة هي جزء من مقدمة للتعريف بمدمني الجنس المجهولين العرب.
يتكون برنامج المجهولين من مجموعة من الخطوات الإثنى عشر، والتي يفضلون تسميتها بالمبادئ الروحية، وهي تشكل طريق التعافي من المشاكل التي يعانون منها، ومجموعة من التقاليد الإثنى عشر التي تنظم عمل المجموعات، وتحمي وحدتها واستقرارها وتفصلها عن القضايا الخارجية غير ذات الصِّلة مثل السياسة والدين ومجال الأعمال، ويتكون البرنامج من حضور الاجتماعات والتي يكون شرط حضورها أنك تعاني من سلوك قهري، وترغب في التوقف عن هذا السلوك، وعمل علاقة مساعدة مع أحد المتعافين القدامى الذي يسمى مشرفا، وتخضع تلك العلاقة لقواعد صارمة، وهي علاقة بدون مقابل مادي، وفيها يتم تبادل خبرة المرض والتعافي بين مقدم المساعدة ومتلقي المساعدة.
وللمجهولية معنى محدد، وهي أن المبادئ فوق الأشخاص، ونحن حين نساعد، فإننا ننقل خبرة التعافي فقط، وليس خبرتنا الشخصية في الحياة، فأنا – مثلا – إذا كنت عضوا في المدمنين المجهولين، سوف اعرف نفسي نبيل مدمن، وليس د. نبيل أو نبيل القط، وهكذا كل عضو آخر هو فقط فلان مدمن.
ويعتقد المجهولون أن سلوكنا القهري حتى لو توقفنا عنه، فإنه يتربص بِنَا ويمكنه السيطرة علينا في أي وقت، ولذلك فإن التعافي رحلة نمو دائمة دوام الحياة، وتتكون من خمس مراحل أساسية: الاعتراف بأن لدينا سلوكا لا نستطيع السيطرة عليه، وأننا نحتاج إلى قوة أعظم منا تساعدنا، ومراجعة أخطاء الماضي ثم محاولة عمل إصلاحات تجاه هذه الأخطاء، وتعلم الحياة تبعا للمبادئ الروحية التي اكتسبناها أثناء رحلة تعافينا، وأخيرا مساعدة آخرين على التعافي، وكل ذلك يتم بمساعدة المشرف الذي هو متعاف أقدم.
وللمجهولين أماكن محددة لاجتماعاتهم عادة تكون أماكن عامة مثل النوادي والمقاهي، وتقدم بعض المؤسسات الأهلية في مصر أماكن الاجتماعات بأسعار رمزية، مثل مؤسسة كاريتاس مصر والنادي السويسري بالقاهرة، وقد بدأت أولى الاجتماعات في أحد المدارس بمصر الجديدة.
وقد ساعدت تلك الغرف عشرات الآلاف من المدمنين المصرييين، وملايين المدمنين في العالم على التوقف عن التعاطي، وساعدت الملايين ممن يعانون من سلوكيات قهرية أخرى على التعافي، وإن بدرجة أقل من نجاحها في الإدمان، ولتلك المجموعات تأثيرات فارقة على مؤسسات العدالة الجنائية والمؤسسات الصحية في دول كثيرة مثل الولات المتحدة الأمريكية والسعودية والبحرين، وتقدر زمالة المدمنين المجهولين العالمية عدد اجتماعاتها بـ ٦٠ ألف اجتماع أسبوعي في ١٣١ بلد حول العالم مع عدد عضوية يصل إلى ٥٠٠ ألف، وتقدر الزمالة المصرية عدد اجتماعاتها في القاهرة فقط بـ ٦٨ اجتماع أسبوعي، ويحضر كل اجتماع ما بين ٢٠ إلى مائة عضو.
المجهولون مجموعات ذاتية التمويل، ولا تقبل التبرعات من غير أعضائها (زمالة من رجال ونساء يتعلمون أن يحيوا بدون سلوك قهري.. مجتمع لا يسعى لتحقيق الربح، وليست لنا رسوم من أي نوع، فكل منا دفع ثمن العضوية.. لقد دفعنا بألمنا ثمن حقنا في التعافي).
ولفهم انتشار مجموعات المجهولين ونجاحها مع السلوكيات القهرية، سأعرض بعض ما تقدمه تلك المجموعات لأعضائها مستخدما كلامهم هم: الاعتراف والقبول:
\”ده المكان الوحيد اللي اقدر أقول فيه أنا مدمنة.. بحس هنا إني حرة.. أتكلم زي مانا عايزة ومقبولة بعبلي زي ما أنا\”
الفهم المشترك:
\”هم دول الناس اللي شبهي وبيفهموني وبفهمهم\”
التواصل:
\”الناس هنا بتتكلم عن اللي جوايا، وبحس إنهم حاسين بيا أكتر من أهلي\”
الحماية والأمان:
\”طول ما أنا موجود هنا، فأنا مطمن إني مش ها اضرب مخدرات تاني\”
الهوية والانتماء:
\”اليوم اللي دخلت فيه الأوض دي، هو يوم ميلادي الحقيقي.. مش اليوم اللي ولدتني أمي فيه.. هم دول ناسي الحقيقيين\”
التفهم والتعاطف:
\”مين هيفهم جوعي المستمر حتى وأنا نايمة غير واحده جعانة على طول زيي، ومين هتفهم إني عمري ما حسيت بالشبع، غير واحدة زيي\” (من مجموعات النهمون المجهولون)
المساعدة:
\”لما أفكار الضرب بتهاجمني.. مابلاقيش غير الاجتماع، اروح اطرشها فيه\”،
المشاركة ونقل الخبرة:
\”لما باسمع الناس بتتكلم عن مشاكلها، مشاكلي بتصغر، وكمان باتعلم أعرف أهندلها إزاي\”
البعد الروحي:
\”قعدت أعمل عكس اللي دماغي بتقولي عليه، لغاية لما بقت مشيئة ربنا هي مشيئتي\”
وتضم زمالة المجهولين تنوعا واسعا من طالبي المساعدة، سائقون وطلبة.. موظفون وجامعيون وأطباء، ويحضرها صحفيون وإعلاميون وفنانون ورجال شرطة وقضاء، ومن رجال الأعمال والمثقفين ومن المتدينين والملحدين واللادينيين، وذوي التوجهات الجنسية الغيرية والمثلية، ومن النساء والرجال، ومن هم فوق الخمسين وتحت العشرين، ومنهم من يتكلمون ثلاث لغات أو أكثر، وحملة الدكتوراه، ومنهم الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومنهم من يركب سيارة جديدة كل ستة أشهر، ومنهم من يركب القطار درجة ثالثة يوما كاملا ليحضر اجتماع ويقابل مشرفه لربع ساعة ليحافظ على تعافيه، ومنهم من يحتفل بالسنة الثلاثين لتعافيه وتوقفه عن التعاطي، ومنهم من يحتفل باليوم الأول لتوقفه عن التعاطي.
المجهولون هم الأحياء الناجون من حرب المخدرات والسلوكيات القهرية الأخرى والتي هي بتعريفهم (مرض متفاقم نهاياته لا تتغير: السجون أو المصحات أو الموت)