هل الدين علم أم ليس علما؟
جلس الرجل في زاوية المسجد وهو يغالب النعاس حتى تنتهي خطبة الجمعة، ثم أمّن مع الخطيب في دعائه بنصرة الإسلام والمسلمين وهزيمة أعداء الدين وتوفيق ولي الأمر، ثم قام وصلى، وفي اللحظة التي انتهت فيها صلاة الجمعة، علت أصوات الباعة على باب المسجد بأن الثلاثة كيلو برتقال أصبحت بخمسة، في حين أن الطماطم لاتزال الكيلو بستة.. اقترب الرجل من البطيخ وأمسك بواحدة، لاحظ بعد أن طبطب عليها بخبرة أنها (أرعة)، فصارح البائع الذي غضب بشدة وراح ورفع السكين وشق له البطيخه وقال له حمرة يا أستاذ، إلا أن الرجل رفض أن يصدق، واستمر الجدل، حتى تراجع الرجل أمام وقاحة البائع، وقبل أن ينصرف أنهى الحوار الملتهب، وقال: خلاص يا عم (مغلطناش في البخاري يعني!).. سألت البائع، هل تعرف البخاري؟ فقال لي وهو ينظم البطيخ على العربة بمنتهى الثقة: كلهم بييجوا ياخدوا بطيخ من عندي هنا!
لا أعلم ما المبرر الذي جعل موضوع خطبة الجمعة في مسجد بالعباسية عن دور رجال الأعمال في رفع الحالة الاقتصادية للدولة؟! ظل الخطيب يحدث المصلين من أهالي العباسية والوايلي، ويحث رجال الأعمال بمنتهى الجدية على إنفاق الملايين للدولة، حتى ظننت أن نجيب ساويرس كان يجلس بيننا، وسوف ينتفض الآن متأثرا والدمع ينسكب من عينيه ليضع كام مليون جنية في صندوق تبرعات المسجد، لكنة قطعا سيواجه مشكلة كل متبرع، وهي حشر الفلوس خلال فتحة صندوق التبرعات.
هناك من أئمة المساجد من لا يجيدون قراءة القرآن بأحكام التجويد، بل ويخطأون أخطاء ساذجة في نطق الحروف والتشكيل، للأسف منهم أئمة أزهريون تم تعينهم، إلا أنهم تحولوا بمرور الوقت إلى موظفين بعمامات ملتصقة على الرؤوس.
في المساء كانت مناظرة إسلام البحيري والشيخ أسامة الأزهري والحبيب علي الجفري، اتعجب من أن يكون أحدا يدعونا ليجدد لنا فهمنا للدين بهذه الوقاحة وبأسلوب أشبه بطريقة بياع البطيخ، كما أنه كان يطل علينا من شاشة قناة يكتب أسفلها في الشريط الإخباري (تلتقون عقب برنامج مع إسلام ببرنامج الراقصة).
هذه المناظرة كانت مهمة جدا جدا، حيث (حدث بالفعل) أن أحدا جلس بجواري، وبدا أنه مهتم جدا بمتابعة المناظرة، قال لي ليفجعني إن برنامج البحيري يشاهده 3 مليار، أردت أن أصحح معلوماته، ربما خانه التعبير، قلت له إن تعداد سكان إفريقيا بأكملها مليار، إلا أنه عقب ليفحمني: إنت متعرفش يا دكتور إنه كمان في أمريكا بيتفرجوا عليه؟! فإتفحمت.. هذا الرجل لم يكن أميا.. كان موظف في الإستعلامات.
يقولون إن آفة الشعوب الجهل.. إنما تعمل إيه في شعب مش مدرك أصلا إنه جاهل؟!
أكثر من ربع الشعب المصري أمي.. لا يقرأ، وأكثر الذين يقرأون يملكون التلفزيون، ويستقبلون أطفالهم من مدارس حكومية (من عينة.. أبلة أبلة الواد ده سب لي الدين وقالي يا اللي أمك (كذا) وديني لاستناك بره).. انظر حولك جيدا، سترى أساتذة قانون ودستوريين فشلوا مرارا في عمل قانون مجلس شعب، ستكون أولى مهامه تغيير مواد في الدستور، (اللي لسه معدي السنة اللي فاتت (بمادتين).. شرطة بايظة.. جيش بيحكم من ستين سنة، وبيخترع جهاز يعالج فيروسات، ومرضى مبتلون بوزارة الصحة من بعد مرضهم.. الأعلى إيرادات أفلام السبكي والزمالك لازال قادم.. أما هؤلاء العباقرة الجهابذة الذين يديرون الدولة من حملة شهادات النفاق ومهارات الحك، كم واحد منهم يحمل شهادة في علم الإدارة؟ طيب، الرئيس الحالي والسابق والأسبق ومن سبقهم، هل يبدو أن أيهم مر يوما ما على سطر واحد في علوم الإدارة؟! ولئن سألت أحدهم كيف كان يدير فخامته شئون الدولة، سيقول لك على طريقة ماجد الكدواني في فيلم \”الفرح\”: بالحب بالحب بالحب.
الدين علم ولا مش علم؟!
هي جت على الدين يعني؟!
في بلد كمصر، لا تنشغل بالتعلم كثيرا، يكفيك أن تكون منافقا حتى تحقق نجاحا مبهرا، أو أن تكون مثل بائع البطيخ.. قف واثقا في نفسك.. إمسك سكينا.. شق البطيخه بسرعة ملفتة، ثم قل – أيا ما كانت النتيجة – (أهيه، حمرا يا أستاذ)، وإن جادلك الأستاذ تبجح بوقاحة، وإن زنقك أحدهم بسؤال.. إفتي بثبات.. الكثير سيصدق وسيشتري، وإن شكك فيك أحد، فلا تنسى، فأنت في يدك سكين.