د. محمد شوشان يكتب: السيد المسئول المحترم .. بقولك إيه: شوفت فيلم Sully؟

ج

الفيلم يحكي عن قصة حقيقة حدثت بالفعل يوم 15 يناير 2009.
\”توم هانكس\” أبدع في بطولة الفيلم الذي أخرجه العبقري \”كلينت إستوود\”
لو أردت أن أعيش دور الناقد السنيمائي لأقدم تحليلا نموذجيا راقيا يصف هذا العمل الفني، فسأقول: \”يا نهار أزرق على الروعة يا جدعاااااان\” وسأكتفي.
ولكي يحس كل مسئول بارد بليد، سنقول الكلام المفيد، ولمن لم يشاهد هذا الفيلم الشديد، سأختصره لكم.
قصة الفيلم تحكي عن طيار قام بتصرف جنوني وقرر الهبوط الاضطراري فوق سطح نهر هادسون بطائرته التي كانت تحمل على متنها 155 شخصا بعدما تعطلت محركاتها فجأة وأصبح سقوط الطائرة مؤكدا، لكن المعجزة حدثت، فقد كان الكابتن Sullenberger أو Sully كما ينادونه بارعا جدا لدرجة أن كل الركاب والطاقم نجوا، أو كما قالوا: لقد أنقذ حياتهم جميعا.
اعتبره الرأي العام والإعلام بطلا، بينما اتهمه المسئولون والخبراء بالتقصير، وعلى الرغم من أن الجميع قد نجوا إلا أنهم أجروا العديد من التحقيقات التي كادت توقفه عن العمل للأبد ومن ثم تسريحه، بات ذلك كابوسه المخيف إن غفا، فضلا عن الهواجس التي لم تلبث تلاحقه حتى في يقظته بعد الحادث المروع.
إلى أن ظهرت الحقيقة التي أخجلتهم وردت له اعتباره.
في نهاية الفيلم شكروا جهده وقالوا له: \”لولا وجودك لحدثت كارثة حقيقية\”، فرد بتواضع صادق: \”إنه لم يكن أنا، كنا جميعا. جيف، دونا، شيلا، دورين، جميع الركاب ورجال الإنقاذ، أبراج حركة الملاحة الجوية وطواقم طائرات الهليكوبتر ورجال وغواصين الشرطة البحرية. كلنا فعلنا ذلك، وكلنا أصبحنا على قيد الحياة\”
أرجو إني أكون حرقتلكوا الفيلم كويس.
بعد انتهاء الفيلم، عرض مشهد قصير للكابتن Sully الطيار الحقيقي وهو يتحدث أظن مع الركاب الحقيقيين.
كان يقول في إشارة لعدد الأشخاص الذين كان موتهم وشيكا جدا، إن تحطمت الطائرة، 155 مجرد رقم، لكن حينما نضع نصب أعيننا تلك الوجوه، فضلا عن الآخرين \”الزوجات والبنات والأبناء والآباء والأمهات والإخوة\”، أعتقد سيكون العدد كبيرا جدا على أن يحصى بتلك السهولة)
ببساطة إن أردت أن تضع تعريفا للدولة المتقدمة أو المتحضرة أو الراقية أو المحترمة في جملة واحدة، فقل (هى هذه الدولة التي تهتم بمواطنيها \”قبل موتهم\”) هذا فقط سيفي بالمعنى.
– براعة الطيار لم تكن صدفة أبدا، فقد اهتمت دولته بتعليمه، وتدريبه بعناية شديدة تقديرا وإجلالا لأرواح المواطنين الذي سيكون هو مسئولا عن سلامتهم طوال سينين عمله، لا سيما ليكون بطلا إن أجبرته الظروف يوما ما، حدثني سيادتك عن تعليم الأطباء وأجور الطاقم الطبي وبدل العدوى؟
– في دقائق معدودة وربما في لحظات، وصل مركب الإنقاذ ومروحيات الشرطة والغواصون الذين قفزوا من المروحيات لإنقاذ كل من حاول النهر الهائج التهامه بعدما كانت تلطمه أمواجه الثائرة بقسوة ليكف عن تلك الصرخات اليائسة ويستسلم للغرق.
– رغم أن الطيار Sully حافظ على سلامة كل من كان على الطائرة، وكان إخلاصه منقطع النظير لدرجة أنه كان آخر من نزل منها بعدما اطمئن أن لا أحد بقي فيها، ثم بقى متوترا تلاحق أنفاسه ضربات قلبه السريعة حتى زف إليه أحدهم خبر \”أن عدد الناجين 155 (نفس العدد الذى طارت به طائرته) وما لبث أن سمع الخبر حتى ترقرقت الدموع بعينيه وأزاح هما ثقيلا كان على صدره. رغم هذا كله أجريت التحقيقات وعلقت المشانق لربما ربما كان هناك تقصير يستحق عقابا بلا رحمة.
حاول أن تسترجع ما حدث في مصر من كوارث وحوادث ولاحظ الفروق.
أظن أنه من الممكن اختصار الفرق فيما قاله الطيار في النهاية، هم فعلا \”يعتبرون الارقام وجوها\”، أما نحن فنجيد جدا تقديم واجب العزاء وصرف الكام ألف لأسر الموتى.
ثورة يناير التي حملت رقما عظيما من الشهداء والمصابين، كانت أمرا حتميا، لا بديل عنه.
إنما ما هذا العته الذي تلاها؟
أحداث ماسبيرو مات فيها \”رقم\”، ثم تلتها أحداث محمد محمود الأولى وحملت رقما جديدا، ثم محمد محمود الثانية، ثم الاتحادية ثم أحداث الحرس الجمهوري ثم رقما غير مسبوق كتب يوم فض رابعة ثم كام ضابط على كام عسكري على كام عيل في المظاهرات بعد كده، كل هذه الأرقام ماتت لأن سياسيين قرروا ذلك.
أرقام جنود الجيش ورجال الشرطة نحسبهم جميعا في عداد الشهداء.
أرقام مخيفة لأطفال وشباب ماتوا لأنهم ذهبوا لمشاهدة مباراة كرة قدم.
ضحايا قطارات وأرقام مرعبة لموتى كانوا يهربون على سطح مركب بالٍ من حياة بلا حياة في وطنهم، فماتوا غرقا بلا وطن.
المختفون والمعتقلون أرقامهم ملأت دواوين الدولة.
وأرقام من صلوا للرب صلاتهم الأخيرة قبل أن تسيل دماؤهم من تحت الصلبان المعلقة في صدورهم.
بالمناسبة، لقد نسيت أرقام من يباد في سوريا والعراق وليبيا واليمن و… أو ربما اعتادت الآذان على سماع أخبار موتهم.
قول لي صحيح كده: لماذا لا يرفعون ميزانية الصحة؟ \”صحة الغلابة اللى بتموت كل يوم علشان مفيش دوا أو مفيش سرير أو مفيش دكتور أو مفيش فايدة؟
ليس الفقر طبعا، فهناك من يؤجر بكثير جدا، بتوصل حضرتك لـ 35643225600 كده مثلا في الشهر\”

الجميع يعلم أن مصر هي الدولة الوحيدة في العالم الذى يتقاضى فيها الضباط والقضاة بدل عدوى أضعاف أضعاف ما يرمى للطبيب من قروش، لمجرد سد هذه الخانة في استمارة المرتب.
إنما لأنهم ببساطة لا يهتمون بمواطنيهم، ولا يحترمونهم ولا يعيرون صحتهم إلا اللمم، لذلك لن يهتموا بمن يعالجهم، أو من يعلمهم.
حتما ستظل هذه المجتمعات \”وإن غيروا بناياتها\” تفوح منها تلك الرائحة \”النتنة\”.. تلك الرائحة التي تنبع من فقرهم وجهلهم وأمراضهم، وتراخيهم وسلبيتهم، وستظل دولتهم حتما على حالها.
أيها السيد المسئول: أنا أسف نسيتك..
\”أيا أيها السيد المسئول البارع في تقديم واجب العزاء، أنا لا أشك ولا أشكك ولا أشكشك في إخلاصك وصدق نواياك ورغبتك دائما في عمل الواجب، إنما من فضلك، لو سمحت ممكن تتفرج على فيلم Sully وحياة أبوك، إتفرج عليه علشان حلو\”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top