د. محمد شوشان يكتب: أنا وزير الصحة

آه لو كنت وزير الصحة والسكان، وإن فاجأني يوما أحد المتحذلقين بسؤال \”مش ولابد يعني\” على الملأ: لماذا وافقت معاليك على تولي وزارة الصحة والسكان بهذه الميزانية المتدنية، ولماذا لا تفكر فخامتك في رفع ميزانية الصحة والسكان قليلا بدلا من الإصرار دوما على رفع السكان فقط؟

أنا اعرف جيدا تلك الابتسامة السياسية الصفراء اللزجة التي تسبق التدليس، كما أنه من السهل ارتجال الكذب والالتفاف على السؤال بذكاء حتى لا يهيج الشعب ولا يمتعض النظام، لكني في هذا المشهد تحديدا اريد أن أكون صريحا، وبضحكات عالية متتابعة سأستهل الإجابة، وسأفك عني زرار البدلة الأوسط حتى يتدلى كرشي.. \”أنا لست بكرش حاليا، إنما في حال اختياري وزيرا، حتما سأكون بكرش\”، ثم في هدوء سأقول: ببساطة نحن لا نزيد ميزانية الصحة، لأن المرضى مسالمون، مؤدبون ولا يتحملون القيام بإضرابات ولا اعتصامات تعطل مسيرة الانتاج، أما أبنائهم وأهلهم فهم إما منشغلون بالبحث عن سرير يحتوي مريضهم، أو بُحت أصواتهم من التوسل لصيادلة (معرفة) حتى يوفروا لهم الدواء الناقص، وبينما هم يشحتون إمضاءات اعتماد قرار العلاج على نفقة الدولة من مكاتب الوزارة العفنة، يعقدون اتفاقا ماديا مع سائق التاكسي الذي سينقل المريض لعمل الأشعة لأن جهاز المستشفى عطلان اليومين دول، أما المتفتح منهم الذي يفكر خارج الصندوق، فهو يحاول الآن الوصول لـ (ريهام سعيد أو عمر الليثي) على أمل (يلموا له قرشين)، حيث إن مشاهد تجريس ريهام سعيد أهون بكثير من أن يستقر في ذاكرتك مشهد موت عزيز لك على باب مستشفى خاص، وعموما من أراد منهم أن يعرب عن غضبه، فسوف يجد \”ولادنا\” خير أبناء الوطن من أطبائه وتمريضه وعم عبده العامل وعم مجدي موظف الأمن سهرانيين في المستشفى، يبقى يطلع دين أمهم \”ما هم دول اللي بيقولولهم مفيش مكان والأشعه عطلانة وروح هات العلاج ده بسرعة والحاجات دي هأ هأ هأ هأ\”.

لا بأس هم تعودوا على ذلك، كما أنهم قوم مؤمنون حقا (دين أمهم لا يطلع بسهولة)، وبعدين نجيب لكوا منين (إنتوا عاوزين تاكلوا مصر؟!)، ارجو أن تضحي قليلا يا حاج من أجل الوطن.. الوطن ليس مجرد كلمة يا ست..  من فضلك ياما خدي الواد المبلول ده من هنا، وانتظري الموت بالخارج (مفيش مكان هنا يا ست الكل).

أيها الناس الطيبون موتوا بهدوء لو سمحتوا وإلا من أين سندفع الحد الأقصى من الأجور القصوى، ومن أين سيجد القضاة الغلابة \”الشامخين دول\” قوت يومهم؟! إنتوا عارفين في كام لواء في الجيش والشرطة \”ماصيفوش السنة دي علشان أمنكم وسلامتكم، وإنتوا راقدين عيانيين مستنيين الموت في بيوتكم\”؟ عارفين ولا مش عارفين يا سادة؟!

إننا نبني الوطن مصر، \”وطبعا كلمة (مصر) لابد أن تخرج في تون أعلى وبصوت مملوء بمزيج من الدفء والشجن يجبر المتلقي على استحضار مزيكا رأفت الهجان في الذهن، ولا بأس إن دمعت العين تأثرا.. للأسف يحتاج هذا تحديدا لتدريب مضن وطويل.. نحن نبني وطننا لنعيش فيه، وإنتوا سيد من يعرف بأه تكاليف البناء اليومين دول، ده غير التشطيب يا بهوات.. \”يا نهار أسود.. ده التشطيب ده لوحده بلاعة، إسألوني أنا، أصل إنتوا مش عارفين المهندس هبر مني كام أول إمبارح، وكل ما أقوله ليه كده يا بشمهندس، يقولي أصل الدولار زاد\”، واللي زيكوا هيعرف منين صحيح؟ وإنتوا متلأحقين على الرصيف قدام المستشفى \”ببلاش\” قاعدين واكليين، شاربيين، نايمييييين، سافيين التراب من غير ما تدفعوا ولا مليم.

من فضلكم.. إذا سمحتم، امهلونا قليلا من الوقت، واقسم لكم.. أقسم لكم..أقسم لكم، هنسلم لكم مصر سوبر لوكس \”ده لو كان ليكوا عمر\”.

لا تلتفتوا لهؤلاء الشباب الذين يدّعون الثورية، إن وطنيتهم خائبة وزائفة.. أنتم الثوار الحقيقيين في هذا البلد، فكما قال جيفارا: \”الثوري هو آخر من يأكل وآخر من ينام وأول من يموت (في ستين داهية)\”

شكرا، شكرا، شكرا جزيلا.

معذرة كدت أن أنسى..

End of text

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top