د. محمد أشرف حماد يكتب: في مملكة نعاس الأزواج

دعنا نتحدث عني قليلا.. أنا شخص مهم جدا كما تعلم، وكل شاردة وواردة في حياتي تستحق أن يفرد لها مجلدات ضخمة، وأن يجلس البشر الضعفاء في بيوتهم يقرأونها.. أنا زوج جديد، لي في الزواج خمسة أشهر فقط.. قبل الزواج مباشرة، اختلى بي صديق ثم دس قرصاً في يدي وقال: تبقى خده وادعيلي، وجاء آخر ينصحني أن أتقي الله في امرأتي، وأخبرتني امرأة عجوز: \”اقفلوا على نفسكوا تبقوا أسعد الناس\”. أخبروني كل شئ، إلا كيف انام مع زوجتي في الفراش!

لحظة من فضلك.. أنا لا أقصد بالنوم ذلك المصطلح الشعبي المعروف للعلاقة الحميمة, بل قصدت بالنوم ذلك الفعل المدوخ الساحر الذي نمارسه بسعادة وننتظره بشغف، ونغلق عيوننا بحثاً عنه.

تزوجت في الثامنة والعشرين، وهي سن مناسبة كما يبدو.. المأساة هنا، أني تعودت أن أنام بمفردي لمدة عشرين عاما تقريباً، ثم فجأة، قرر المجتمع أن أمضي ما بقى من نومي بجوار شخص يشاركني الفراش، وهذا الشخص امرأة!

زوجتي رقيقة فعلا.. تحبني، وتحب ناقتها بعيري كما يقول الشاعر العربي القديم، لكن هذا ليس مبررا كافيا لأن تدفعني إلى أقصي الفراش، ثم تمد يدها وتعتصر عنقي، وتصفعني مرتين وتدس رأسها في صدري بعنف.. تفعل كل هذا، وهي نائمة كالملائكة، لابد أنها تملك عقلا باطنا كقاتل متسلسل أو سفّاح.. يتملكني الغيظ وفكرت أن أقتلها عدة مرات، لكن أغلب ظني أن مشاركة حنكورة الأشرم أو علي بلحة الفراش في ليمان أبو زعبل، ستكون أسوأ بالتأكيد.. الممتع أنني بعد ذلك، سمعت من أصدقائي المتزوجين الشكوى ذاتها.. متكررة!

في حلقة من المسلسل الأمريكي الشهير \”كيف قابلت أمكم؟!\”، يتفق \”مارشال\” و\”لي لي\” بطلا المسلسل، على أن يناما في أسرّة منفصلة تفاديا للصدام المتكرر، فيضعان سريرين صغيرين في غرفة واحدة، ويمارسان حياتهما بصورة طبيعية إلى وقت النوم، ثم يأوي كل منهما إلى فراشه وحيداً كفارس نينجا، منتصرا كجنرال إنجليزي.. في النهاية يعجز مارشال ولي لي عن التحمل، وينامان سويا على فراش ضيق يكفي شخصا واحدا.

في ليلة زفافي، انام بعد شيماء بساعتين كاملتين قضيتهما متكورا في مساحة تكفي قطا وليدا، وأنا اقاوم الرغبة الجامحة أن أترك المنزل الجديد و\”أروّح\”.. ما علاقة النوم بأي شئ؟! لماذا لا نقضي يومنا كما نحب، ثم ينام كل منا بمفرده؟!

هذه ظاهرة شائعة عند الغرب، تحدثت عنها الصحف الأجنبية مطولا، ويسمونها الـseparete beds .. في يوليو العام الماضي, نشرت \”الديلي ميل\” البريطانية موضوعا لطيفا, عن تجربة زوجين جربا هذا الحل ووجدا فيه ضالتهما المنشودة لحياة زوجية أسعد, وفي نفس العام تنشر \”التيليجراف\” البريطانية أيضا, مقالا للكاتب \”توم سايكس\” يشجع فيه الآخرين على خوض التجربة.. تقول آخر إحصائية نُشرت في Sleep Foundation ، وهي منظمة بحثية أمريكية شهيرة تعني بأبحاث النوم نشأت في 1990، إن الأزواج الذين ينامون بمفردهم تصل نسبتهم في انجلترا وحدها إلى 9% ، وترتفع النسبة في اليابان إلى 23 % ، لكنها ليست بهذه الدرجة من الشيوع في بلادنا.. لسبب ما، تعتقد أغلب النساء العربيات أن هذا مرده انصراف مشاعر الزوج عنها، ويعتبرنها إهانة قاسية جدا، وهو منطق مفهوم، تلخصه حكمة سمعتها من خالتي \”البعد يعلم الجفا\”.

تضطرني ظروف عملي على العيش عكس باقي البشر.. انام حين يصحون وأصحو حين يتثائبون ويحضنون وساداتهم بسعادة.. آوي إلى فراشي عادة في الثالثة صباحا كأي خفاش يحترم نفسه، فأجد زوجتي قد سبقتي بثلاث ساعات أو يزيد.. ادخل الفراش ببطء شديد –محاذرا- أن أوقظها، لكنها تشعر بوقعي على حشية الفراش، وتحتضني عنوة دون وعي، أو تقلبني الناحية الأخرى خلف ظهرها في وضع الـSpooning الشهير، فأجد شعرها محشورا في فمي، وذراعي ميتة بجواري!

لا نحيا حياة مثالية بالطبع, نختلف ونتشاجر كثيرا, ويبدو أن القائل إن السنة الأولى من الزواج هي الأصعب كان محقا إلى حد بعيد.. بعد فترة ألاحظ شيئا غريبا، أصبحت الأيام التي نصحو فيها جسدين في واحد أهدأ، وأنقى، وأقل اضطرابا.

هناك بحث شهير انتشر على صفحات الإنترنت مند فترة قصيرة، يفيد أن الإنسان يحتاج إلى ثمان أحضان يوميا كي يتمتع بصحة نفسية طيبة.. ماذا عن حضن واحد طويل؟!

تدريجيا يهوى قلبي ما لا يريده جسدي، وأذهب إلى الفراش واحتضن امرأتي، وهي نائمة إلى أن يدركني النعاس ثم أستدير.. لم تنته ظاهرة الأسرّة المنفصلة، ولن تنتهي، ولن يغير فيها هذا المقال شيئا.. افعلوا ما يريحكم – بغض النظر عن أي أبحاث – أنتم أعلم بشؤنكم وأين ترتاح قلوبكم بعد كَد يوم مزدحم.. أما أنا، فسأحاول الاعتياد على النوم في طرف الفراش، لاستيقظ في الصباح بذراعٍ مخدر وفم ملئ بالشعر النائم الطويل، وابتسم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top