لا توجد وصفة سحرية للنجاح, هذا مؤكد, كل الطرق الصحيحة قد تؤدي بك إلى الفشل, وقد تؤدي بك إلى النجاح, وقد تؤدي بك أيضا إلى اليأس وتمزيق شريانك السباتي بأقرب آلة حادة, لا ضمانات هنا.. هذا ما أدركه الشباب جيدا, فأصبح الكلام عن الأمل كالمسكنات عديمة الجدوى, قل خيرا أو لتصمت.
أكره أن أتحدث عن مجدي عبد الغني فعلا. أحرز الرجل هدفا يتيما في شباك منتخب هولندا في كأس العالم 1990, ثم صدعنا بهذا الهدف 25 عاما كاملة!
في لقاء تليفزيوني قديم, يقول حسام حسن أن محمود الجوهري – المدير الفني للمنتخب الوطني وقتها – قد وضعه أولا لركلات الجزاء, ثم يليه مجدي عبد الغني ثانيا. ينفرد حسام بالمرمي ثم يقع أرضا إثر جذبة قوية من المدافع الشهير كويمان وتُحتسب ضربة جزاء للمصريين.. يفاجأ حسام حسن, المهاجم وصاحب الحق في التسديد, بلاعب الوسط مجدي عبدالغني يضع الكرة ويسددها دون اكتراث!
يطل الرجل في كل مناسبة ليتحدث عن هدفه, وفي إعلان تلو الآخر, لن يكون آخرهم ذلك الإعلان الذي نشاهده يوميا, ويظهر فيه مخاطبا شخص يشبه فان بروكلين حارس هولندا الأسبق عبر مكالمة مرئية ويذكره بالهدف!
يستمر مجدي عبد الغني, لا يفنى إصراره ولا يستحدث من عدم, بل ويزداد نجاحه عاما بعد عام, ويسخر منه الناس، لكنهم في أعماقهم, يعتادون طلته, ويضحكون كلما طالعهم على الشاشة.. هذا رجل يمشي في الأسواق حاملا بضاعة خاسرة, أكلت منها الطير والدواب والهوام, بلا خجل ولا مواربة، في تصالح رهيب مع النفس, فيضجره الناس أولا ولا يلقون إليه بالا, ثم يبتسمون في شفقة ويمنحوه نظرة بائسة, ثم يضحكون معه!
هل تابعت رامز جلال هذا العام؟
في 2011 يبدأ الممثل الشاب رامز جلال برنامجا للمقالب يسمى \”رامز قلب الأسد\”, وتثار عاصفة لا تنتهي من الجدل عما يفعله رامز بضيوفه, الذين يُحبسون في مصعد، ثم تنفتح الأبواب ليجدوا أسدا في مواجهتهم! بل تُرفع دعاوى عدة ضد رامز والجهة المنتجة للبرنامج – قناة الحياة وقتها – ويصبح البرنامج فريسة لكل شئ وأي شئ, يتكالب عليه كل الناس ويتهمونه بالفجاجة والوحشية وانعدام الشعور الإنساني, فيتعلم رامز جلال الدرس جيدا, ويظهر في العام التالي ببرنامج آخر يذهب فيه بضيوفه المخدوعين عبر رحلة صحراوية, لتهاجمهم جماعة من البدو الملثمين الذين يخطفون الحافلة ويطلقون عليهم الأعيرة النارية, ثم يحبسهم في مقبرة فرعونية مظلمة, ويطلق عليهم ما تيسر من الحيّات والوطاويط في العام الذي يليه! وتستمر نغمة الاستنكار المجتمعي, تعلو تارة وتنخفض تارة أخرى, ويكمل رامز ما بدأه، فيقدم ضيوفه ضحية للقروش, ثم \”رامز واكل الجو\” هذا العام, الذي يصوره في طائرة تسقط بالضيف!
الممتع, أن نغمات الاستنكار والشجب قد هبطت إلى أقل معدلاتها هذا العام.. لا نسمع لها صوتا ولا همسا, لقد اعتاد الناس جرعة الوحشية المقدمة حتى استساغوها ولاكتها أفواههم جيدا, ثم استمتعوا بها.
هل تعرف الخليل كوميدي؟
اذا لم تكن تعرفه, فأخبرك بأنه لم يفتك الكثير, بل أجسر على القول إنه لم يفتك شئ على الإطلاق.. أحمد حسن خليل هو اسمه الحقيقي, شاب بسيط من إحدى قرى المنصورة, يتصور أنه كوميديان ناجح, ويبث فيديوهات عقيمة المحتوى رديئة الصنع على الإنترنت. هذا وضع قد لا تراه عجيبا, لكن الملاحظ أن فيديوهات الخليل كوميدي تحظى في وقت قصير بكراهية غير مسبوقة, وهي فيديوهات -الله ما يوريك- لا تمثل إلا انعدام الموهبة وكآبة المنظر.. يكفي أحدها لدفعك دفعا إلى شنق نفسك بحبل مجدول. يُهاجم الخليل كوميدي بأفظع الألفاظ والأوصاف, علّه يرتجع, لكن بلا فائدة, يستمر الخليل في مهاجمة حواسنا وعيوننا بلا رحمة. ومع الوقت, يبدأ الخليل في الانتشار, ويراه البعض بالمجدد الذي يسبح بعيدا عن تيار النمطية والتكرار, الفنان التجريدي الذي صنع خطا جميلا في سماء الأبستراكت Abstract!
أبشرك بكل خير, هذا العام يظهر الخليل كوميدي في إعلان منتج أمريكي شهير.. لقد نجح الخليل فعلا!
هناك واقعة ممتعة حكاها الساخر الأشهر مارك توين في مذكراته, وهي أنه كان ضيفا في ندوة, ثم أخبر الحضور بنكتة سيئة سخيفة, فصمتوا ولم يعلقوا, فيعيدها في إصرار, وتندفع بعض الضحكات العصبية من الحضور, ثم يعيدها مارك توين ثالثا, لا يحذف منها حرفا ولا يزيد, فتضج القاعة بالضحك! يصمت بعدها مارك, ثم يقول كلمته: طوبى لمن لا يخافون الظهور بمظهر السخفاء, لهم العالم كله.
نحن يا عزيزي.. أنا وأنت وغيرنا, يتم ترويضنا ببطء, يفعل بنا \”الزن\” والتكرار ما لا يفعله سواه, نأكل القبيح حتى ننسي طعم الجيد, ويتشكل وعينا وذوقنا مجددا, بإصرار من أصحاب اللا شئ, الذين يصرون في دأب رهيب على ممارسة هذا اللاشئ, بانتظام يرقى لمستوى الكمال, ولا تعرف الآلة الإعلامية الرحمة, ونقبل متهللين على ما تعافه نفوس الأسوياء, لكن النجاح يطرق باب منعدمي المواهب على أيدينا بنفس راضية وقلوب متسامحة, ويظل الموهوبون الحقيقيون يعضون التراب, ويشقيهم الأمل, ونتحول نحن إلى كلاب مطيعة, تأكل ما يقدم لها دون ضجر, ونتبلم حتى لا يؤثر فينا التعليم!
رمضان كريم.