د. مجدي الجعبري يكتب: فشل السيطرة على أسعار الصرف

السيطرة على أسعار الصرف لا تتأتى من خلال القرارات الإدارية أو الإجراءات الأمنية، فالإجراءات الأمنية بإغلاق بعض شركات الصرافة لن توقف عمل السوق الموازية، ولكن تزيده اشتعالًا وتدفعه إلى استحداث وسائل جديدة لممارسة نشاطه، وتدخُل البنك المركزي في تحديد سعر الصرف إداريا دون الأخذ بقوى السوق من عرض وطلب، يؤدي إلى اتساع الفارق بين السعر الرسمي للدولار وسعر السوق الموازية.

على مدى العقود الماضية لم تنجح الإجراءات الإدارية أو الأمنية في السيطرة على أسعار الصرف، فيما حافظ الجنيه على سعر صرفه خلال بعض الفترات نتيجة لتحسن موارد الدولة من النقد الأجنبي بفضل زيادة عائد السياحة، وارتفاع معدلات تحويلات العاملين في الخارج، وزيادة الصادرات وارتفاع إيرادات قناة السويس، حيث تجاوزت أرصدة النقد الأجنبي لدى البنك المركزي 37 مليار دولار خلال تلك المرحلة.
وهناك غموض في السياسات الاقتصادية وسياسة سعر الصرف وعدم وضوح في إستراتيجية الدولة والبنك المركزي في مواجهة تدهور سعر صرف الجنيه، فقد أعلنت الحكومة عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض يصل إلى 12 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، بمعدل أربع مليارات دولار لكل سنة بداية من العام المالي الحالي 2016 ــ 2017، بهدف دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي وتدعيم احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، ورفع معدلات النمو الاقتصادي إلى مستويات تتراوح بين 5، 7% سنويًا خلال السنوات الخمس المقبلة، وإتاحة التمويل اللازم لخفض معدلات عجز الموازنة العامة للدولة والسيطرة على معدلات التضخم، وقد كان لهذا الإعلان أثر كبير في ارتباك السوق الموازية وتوقف حركة التعامل وانخفاض سعر الدولار بصورة كبيرة، ثم تلى ذلك إعلان وزارة المالية أن مصر سوف تسدد نحو ثمانية مليار دولار لجهات مختلفة من ديونها خلال العام المالي الجاري وبما يفوق الشريحة المقررة من قرض صندوق النقد لهذا العام في حال الموافقة على القرض، وبما يشير إلى استمرار العجز في احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي نتيجة لاستخدام شريحة كبيرة من قرض الصندوق في سداد التزامات مستحقة على الدولة، وبالتالي عدم إمكانية الدولة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، الأمر الذي دفع سعر الدولار إلى الارتفاع من جديد ومعاودة السوق الموازية لممارسة نشاطها.
وعلى الرغم من حصول مصر على مساعدات خليجية كبيرة خلال السنوات الماضية، ما يزال الوضع الاقتصادي في مرحلة حرجة، فهناك زيادة في الدين الخارجي، وانخفاض كبير في إيرادات السياحة، وتذبذب في إيرادات قناة السويس، وانخفاض في الاستثمارات الأجنبية وفي تحويلات العاملين بالخارج، بالإضافة إلى تداول الجزء الأكبر من النقد الأجنبي خارج الجهاز المصرفي نتيجة للفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية.

كل هذا أدى إلو نقص حاد في موارد الدولة من النقد الأجنبي، وانخفض احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي إلى الحد الذي لا يمكنه من تلبية احتياجات المستوردين، مما دفع المستوردين إلى اللجوء للسوق الموازية لتوفير احتياجاتهم من النقد الأجنبي، وبالتالي زيادة الطلب على الدولار بالسوق الموازية وارتفاع سعر صرفه مقابل الجنيه.
للسيطرة على سعر الصرف وتدهور قيمة الجنيه -من وجهة نظري- يجب العمل بالتزامن في اتجاهين:

الاتجاه الأول في المدى القصير، ويقوم به البنك المركزي وهو تعويم الجنيه وترك السعر ليتحدد وفقا لقوى السوق وعدم التدخل في تحديد السعر، هذا الإجراء سوف يعيد جزءا كبيرا من النقد الأجنبي المتداول بالسوق الموازية إلى الجهاز المصرفي، وبما يساهم في نمو الاحتياطي لدى البنك المركزي، ومن ثم مقدرته على تلبية احتياجات المستوردين، مع ترشيده استخدامات النقد الأجنبي وتوظيفه توظيفًا أمثل، الأمر الذي يدفع بسعر صرف الدولار إلى الانخفاض ثم الاستقرار.

الاتجاه الثاني في المدى المتوسط والطويل، وتقوم به الحكومة، وهو العمل على زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي من خلال تهيئة المناخ الاستثماري لجذب استثمارات أجنبية جديدة، ودعم المصدرين وتنشيط الصادرات وفتح أسواق تصديرية جديدة وخاصة في إفريقيا، وتذليل العقبات التي تواجه قطاع السياحة ووضع خطة شاملة للترويج السياحي حيث يعد هذا القطاع أسرع موارد النقد الأجنبي وأهمها في دعم الاحتياطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top