د. مجدي الجعبري يكتب: البنوك تغرد خارج السرب

ترتبط ظاهرة العولمة بالنشاط المصرفي باعتباره محور رئيسي من محاور العولمة الاقتصادية، والعولمة المصرفية تُعبر عن صراع المصارف التي تمتلك القدرة على التأثير في شكل واتجاهات السوق المصرفي العالمي، وهي تعني الانتقال بمحيط النشاط إلى العالمية وبما يضمن الاتساق بين الأنشطة المصرفية التي تمارسها المصارف في الداخل والخارج، وفي ظل العولمة وإعادة هيكلة صناعة الخدمات المصرفية، اتجهت البنوك وخاصة البنوك التجارية إلى التحول نحو البنوك الشاملة، وهي كيانات مصرفية تسعى إلى تنويع مصادر التمويل والتوظيف، وتعمل على خلق عملاء متميزين وتقدم الخدمات المصرفية التي تعتمد على التكنولوجيا الابتكارية، وقد ارتبط مفهوم العولمة المصرفية بمفهوم تنوع وتكامل الخدمات المصرفية، فتنوع وتكامل تلك الخدمات تساهم في تواجد البنوك بفاعلية في كافة ميادين النشاط الاقتصادي بامتداداته الجغرافية داخلياً وخارجياً وتعظم من جودة الأداء.
وقرار البنك المركزي المصري بوقف استخدام بطاقة الخصم بالجنيه المصري متضمنة البطاقات المدفوعة مسبقاً الصادرة من البنوك المصرية خارج مصر وقصر استخدامها في البنوك المصرية داخل مصر فقط، يُبعد البنوك المصرية عن إمكانية الاندماج في المنظومة المصرفية العالمية ويفقدها خاصية تنوع وتكامل الخدمات المصرفية التي تقدمها لعملائها، فتكامل الخدمة المصرفية يعني عدم قابليتها للتجزئة أو التقسيم أو الانفصال، أي أنها مزيج متكامل ومندمج لتحقيق المنافع للعملاء، وهذا هو محور النشاط التسويقي للبنك حيث يجب توفير الخدمات والمنتجات المصرفية في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، لذا يجب أن تتيح بطاقة الخصم للعميل إمكانية الوصول إلى أمواله والتحكّم فيها داخلياً وخارجياً.
ويبرر البنك المركزي هذا القرار بسوء استخدام البعض لبطاقات الخصم في المضاربة على العملة الأجنبية، حيث يشكل السحب النقدي من بطاقات الخصم المصدرة بالجنيه المصري خارج مصر بالدولار الأمريكي عبئاً على البنوك المصرية في تسوية المعاملات بالدولار نظرا لضعف الموارد إضافة إلى التسوية بالأسعار الرسمية للدولار والتي تقل كثيرا عن أسعار السوق الموازية، وارى أن البنك المركزي لم يحالفه التوفيق في هذه الخطوة، فالإجراء الذي تم اتخاذه للقضاء على تلاعب بعض المضاربين من سوء استخدام بطاقات الخصم يحرم كافة العملاء الذين في حاجة فعلية لأموالهم في الخارج سواء للدراسة أو السياحة أو العلاج وخلافه من الوصول إلى أموالهم والتحكم فيها خارجيا وبما يؤثر سلبا علي تكامل الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء وعلي منظومة عمل البنوك كبنوك شاملة.
ويرجع سوء استخدام بطاقات الخصم لدى بعض المضاربين على العملة الأجنبية إلى وجود فجوة سعريه كبيرة بين الأسعار الرسمية وأسعار السوق الموازية نتيجة لضعف الموارد بالعملة الأجنبية بالإضافة إلي التدخل في سوق الصرف وتقييم الجنيه بسعر يفوق سعره السوقي دون الأخذ بقوي العرض والطلب، ويُعد تفاعل العرض والطلب القوى الأساسية المحركة للأسواق ويؤدى هذا التفاعل إلى تحديد الأسعار النسبية، فإذا تم تقييم سعر الجنيه بالقيمة السوقية العادلة لن تكون هناك سوق موازية وسوف يتم القضاء علي المضاربة دون تقييد لحرية العملاء في الوصول إلي أموالهم والتحكم فيها داخلياً وخارجياً ويكون هناك تكامل في الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء، ويساهم ذلك في اندماج البنوك المصرية في المنظومة المصرفية العالمية وعدم تغريدها خارج السرب، وسوف ينمو الاحتياطي النقدي بالعملة الأجنبية نتيجة لعدم فاعلية السوق الموازية واتجاه المعروض من العملات الأجنبية إلي السوق الرسمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top