هناك مقولة شائعة تذكر أن كل فرد على قيد الحياة لابد له أن يشتكي من آلام في ظهره في وقت ما، ويذهب للطبيب بسبب تلك الشكوى مرة واحدة على الأقل، ولذلك تعتبر آلام الظهر أو آلام العمود الفقري من أكثر المشاكل الطبية شيوعا في جميع أنحاء العالم، ففى الولايات المتحدة تنافس آلام العمود الفقري نزلات البرد كسبب رئيسي لزيارة الأطباء، وفي بريطانيا تظهر الإحصائيات أنه حوالي خمسة ملايين شخص يترددون على الأطباء سنويا بسبب ألم في الفقرات، أما في مصر فيمكننا أن نحصي أكثر من ثمانية مليون مريض يعانون من آلام الظهر يترددون سنويا على عيادات العظام ويتم إدخال أكثر من مليون مريض إلى المستشفيات لإجراء عمليات جراحيه للعمود الفقري.
لكن ما الذي نعنيه بآلام العمود الفقري؟ من الصعوبة بمكان إيجاد تعريف محدد شامل، لكن يمكن القول إنها مجموعة من الأعراض التي يكون الألم فيها هو المكون الرئيسي لها، ويشعر بها المريض في جزء من الظهر أو الساقين، وتنقسم آلام العمود الفقري إلى آلام حادة، وهي الآلام الشديدة التي تحدث فجأة في خلال أسبوع، وآلام مزمنة، وهي التي تستمر أكثر من ثلاثة شهور، وقد تم وصف ما يعرف بحالة الألم المزمن، وهي التغيرات الاجتماعية والنفسية التي تحدث في حياة المريض نتيجة استمرار هذا الألم المزمن بالظهر.
وترتبط آلام الظهر عند المصريين بالذات ببعض من الخزعبلات والأساطير، مثل ارتباطها بالضعف الجنسي عند الرجال وعدم القدرة على الإنجاب، كذلك ارتباطها بالجن والشعوذة، حتى إن كثيرا من المدعين ينتشرون فى بر مصر لإخراج الجن والعلاج بالعصا والضرب كوسيلة لعلاج آلام العمود الفقري، وبالتالى حل المشاكل الزوجية الناتجة عنه، ولذلك تعتبر آلام العمود الفقري مشكلة متعددة الأبعاد ينبغي على الطبيب المثقف الواعي أن يتعامل معها بجدية كمشكلة اجتماعيه ومادية، وليست حالة مرضية فقط يمكن علاجها ببعض المسكنات.
وقد وجدنا أنه ثمة علاقة بين طبيعة عمل الشخص ومعدل حدوث آلام الظهر، فقد تلاحظ أن الوظائف التي تستدعي الوقوف لفترات طويلة وحتى الجلوس لفترات طويلة أثناء العمل، وطبعا قيادة السيارات أو العمل بالقرب من مصدر ذبذبات عالية تؤدي إلى زيادة معدل الإصابة بالانزلاق الغضروفي والفقاري.
ومن المثير للاهتمام ارتباط آلام الظهر بالحالة النفسية والاجتماعية للمريض، ففي الحالات التي يكون فيها الموظف غير راض عن طبيعة عمله، أو يعاني من شعور بالوحدة أو بعض مشاكل زوجية، نجد التعبير الأبرز عن هذه المشاكل هو ألم الظهر، وقد ثبت علميا أن للتدخين تأثيرا كبيرا على العمود الفقري، حيث وجد أنه أحد عوامل الخطورة لحدوث الانزلاق الغضروفي بسبب نقص الدورة الدموية في منطقة الانزلاق وزيادة أول أكسيد الكربون بالدم الذي يؤدي إلى تآكل الغضروف القطني. وفي دراسة مقارنة لمرضى العمود الفقري بغيرهم من الناس، وجد أن الآلام المزمنه تؤدي إلى تراجع في الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمريض، وربما تذهب به إلى تداعيات خطيرة من بينها الانفصال الأسري، وهذه الأخيرة بدأنا نلاحظها قليلا بين المصريين، وعادة ما يصاحب ألم الظهر أعراض أخرى من بينها ما يطلق عليه شعبيا فى مصر (عرق النسا)، وهو الألم الممتد من أسفل الظهر إلى أسفل الساق من الخلف ويكون بسبب التهاب الأغشية المبطنه لجذور الأعصاب الطرفية نتيجة الضغط على هذه الأعصاب عند خروجها من بين الفقرات، وفي بعض الأحيان يصاحب هذا الألم تغييرات فى ديناميكية التبول مثل عدم التحكم أو الاحتباس البولي، ومن بين الأعراض المصاحبة أيضا الإعوجاج الملحوظ في الظهر والتيبس في عضلات الظهر، الذي يؤدى بدوره إلى صعوبه شديدة في الحركة حتى أثناء النوم.
لكن ما هي الأسباب العضوية التي تسبب آلام الظهر؟ من أشهر الأسباب الانزلاق الغضروفي العنقي أو القطني، وهو ما يعرف لدى العامة -اختصارا – بالغضروف أو الديسك، ويحدث هذا الانزلاق عن تحرك المادة الجيلاتينية المكونة للغضروف لتضغط على جذور الأعصاب، أو تؤدي إلى ضيق في القناة العصبية، فينتج عنه الألم الشديد في الظهر والأرداف والساقين أو أحدهما، كذلك من مسببات آلام الظهر ما يعرف بالانزلاق الفقاري، وهو تزحزح إحدى الفقرات من مكانها، مما يؤدى إلى ضيق في القناة العصبية وعدم استقرار للعمود الفقري وآلام مبرحة في الساقين عند المشي، كذلك ينتج ما يسمى ضيق القناة العصبية من خشونة مفاصل الظهر التي تؤدي إلى الانضغاط على جذور الأعصاب، ويمكن أن تنتج آلام الظهر والساقين كحزء من مرض عام يعاني منه الشخص، مثل مرض الروماتويد المفصلي بأنواعه المختلفة، وكذلك مرض التيبس الفقاري أو هشاشة العظام.. وجود ثانويات عظمية لمرض سرطاني بالجسم قد يؤدى إلى تدمير بعض الفقرات والتأثير السلبي جدا على الأعصاب الطرفية.
وللوقايه من آلام الظهر ومنع حدوث المضاعفات، يجب على المريض وحتى الشخص العادي أن يتبع العادات الصحية السليمة للمحافظة على جسمه ولياقته الصحية بالتغذية المتنوعة التي تحتوي على الفيتامينات والمعادن، وكذلك المحافظة على معدل الوزن الطبيعي للجسم وممارسة الرياضه البدنية بشكل منتظم والامتناع عن التدخين.
استشارة الطبيب المتخصص أمر فى غاية الأهميه، لأن أسباب آلام الظهر متنوعة جدا، من بينها أسباب بسيطة جدا مثل بعض العادات الخاطئة في القيام بالأنشطة اليومية، ومنها ما هو خطير جدا كحدوث أورام في العمود الفقري، وسننتناول في مقالات لاحقة – إن شاء الله- جميع أمراض العمود الفقري بشيء من التفصيل مع كيفية الوقايه منها وعلاجها.