د. سامح سمير يكتب: قولوا في عثمان ما شئتم

من اللافت للنظر إصرار الإخوان المسلمين حتى الآن على مبدأهم القائل إن: \”الخلافة عائدة لا محالة\”، وشرعية مرسي هي الوسيلة الوحيدة لعودتها، والحقيقة أنني لا أستطيع فهم تمسكهم بهذا المبدأ، ومحاولة إثبات صحته برغم ما وصلنا إليه من تردي لكل الأوضاع في ظل النظام الحالي، الذي قفز على صدورنا بسبب أفعالهم منذ 25 يناير حتى الآن.

لكنني اعتقد أن سبب تمسكهم بموضوع الخلافة هو رغبتهم في أن الدين يحكم وكفى.. بصرف النظر عن اتخاذ الأسباب من عدمه، لأن في اعتقادهم أن الله عز وجل بمجرد تطبيق الشريعة على يد الخليفة الحكيم العادل، وبدون اتخاذ الأسباب سيغُدق علينا من الخير ما لم نكن نحلم به, وأن اقتصادنا سوف ينمو وحده بالبركة, وأن الأعداء سوف يرتعدون من إيماننا, وأن الجميع ستستيقظ ضمائرهم، وفجأة سيصبح الذئب راعيا للغنم .

وسألتُ نفسي في هذا السياق سؤالين.. ما علاقة الدين بالحكم الرشيد؟ وما ذنب الدين إن عُزل الخليفة أو حتى تم قتله، أو انهار الاقتصاد في عهده؟

وجدت نفسي أجيب بسؤال أيضا.. لماذا لا يجيب أصحاب المبدأ أنفسهم؟

لماذا لا يجيبون على أسباب الثورة التي قامت على سيدنا \”عثمان بن عفان\”، والغريب أن من الثائرين عليه خمسة من المبشرين بالجنة هم \”علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص\”.. أكانت تلك الثورة دين أم سياسة؟

لماذا لا يفسرون قتل \”سيدنا عمر بن الخطاب\”، ذلك القلب الورع المليء بالإيمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. هذا الخليفة العادل الزاهد الذي قُتل في صلاة الفجر داخل بيت الله بيد المجوسي أبو لؤلؤة.. أقُتل بسبب الدين أم السياسة؟

لماذا لا يفسرون قتل \”سيدنا علي بن أبي طالب\” على يد عبد الرحمن بن ملجم في شهر رمضان المعظم.. أقُتل بسبب الدين أم السياسة؟

\”سيدنا أبو بكر الصديق\” نفسه (ثاني اثنين إذ هما في الغار).. بعض الروايات تقول إنه قد تم دس السم له وهو يأكل مع \”الحارث بن كلده\”، الذي قال له \”يا أمير المؤمنين ارفع يدك والله إن فيها لسم سنة\”، وتندهش أنه رضي الله عنه توفي هو وحارث بعد سنة في يوم واحد.. أكان دس السم لهما دين أم سياسة؟

أما عن الحرب، فانظر في خلافة الإمام \”علي بن أبي طالب \” رضي الله عنه في معركة \”الجمل\”، الذي كان يقف فيها سيدنا علي أمام السيدة عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة بن الزبير، فهل تستطيع أن تقول إن أيا منهم رضي الله عنهم جميعا أو أحدهم على باطل؟ هل كانت هذه الحرب دين أم سياسة؟

أما عن الاقتصاد، ففي عهد سيدنا \”عمر بن الخطاب\” هذا الإمام العادل صاحب الدين القويم صاحب الزهد والتقوى، الذي كان الوحي ينزل على لسانه.. مر في حكمه عام الرمادة وطاعون عمواس.. فما علاقة الدين إذا بابتلاء الله لنا؟

بل نحن في عصرنا الحديث تم هزيمتنا في عام 1967 من اليهود، فهل وقتها كان اليهود مؤمنين ونحن كفار، فنصرهم الله.. وهل عندما هزمناهم في 1973 كنا مؤمنين وهم صاروا كفار.. ما علاقة الدين إذا بالأسباب؟

أخيرا، وليس آخرا، فإن التاريخ الإسلامي يقف لنا بكثير من الدلائل على وجوب فصل الدين عن السياسة لصالح الدين ولصالح السياسة، بل وحكم ذلك التاريخ علينا بوجوب التفريق بين الإسلام الدين والإسلام الدولة .

فليس من الممكن وصف الثورة ضد سيدنا عثمان دينا! وموقعة الجمل دين! وعامي الرمادة وعمواس في عهد سيدنا عمر سخط من الله! واغتيال الخلفاء الكرام دين وليس سياسة! وكل هذا متى؟ في صدر الإسلام وصحابة المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم، فما بالك بنا نحن الآن !

يا جماعة الإخوان افيقوا.. الخلافة الإسلامية والحكم الرشيد والاقتصاد لا يأتون من الدين والتزام تعاليم الله فقط، بل يأتون من الأسباب واتخاذها بكفاءة وعلم وخبرة ودراية بدون نفاق أو مواربة.

كلنا بشر نخطئ ونصيب، حتى الخلفاء الراشدين، فكفى إسباغا للدين على الدنيا، فقد أخطأتم في السياسة والقانون، ولا علاقة لديننا بثورتنا، ولا خليفتكم المزعوم بغضبتنا عليه.

كفاكم خلطا بين الأمور وبعضها، إن كنتم تريدون بالفعل الحكم الرشيد الذي نبتغيه نحن وأنتم.

وهذا ليس لكم فقط، بل أيضا \”للأزهر الشريف\” و\”الكنيسة\” وكل من يُطلق عليه رجل دين أو داعيه.. كفاكم خلطا للدين بالسياسة، وتطويعا للدين لصالح النظام السابق أو الحالي أو من يليه.

لا يصح أن تخلطوا كل الأمور ببعضها، فيشمئز منها الناس،  ولا يصح أن تستخدموا الدين في خدمة الحاكم، وإلا – فإن استطعتم- فقولوا في عثمان ما شئتم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top