(1)
تخيل كده الآتي.. يعني ده مجرد تخيل.. تخيل إنك إنسان ما عندوش ضمير.. على الإطلاق!
وتخيل إن ما عندكش إحساس بالذنب، ولا بالشفقة، ولا الرحمة
بالآخرين!
وكمان تخيل إن ما عندكش أي حس بالتعاطف مع الآخرين مهما كانت مصايبهم كبيرة، أو أزماتهم حادة.. سواء الناس دول كانوا أغراب عنك، أو أصدقاء أو حتى كانوا أفراد من عيلتك.
تخيل إن ما عندكش أي إحساس بالخجل أو الخزي أو تأنيب الضمير، أو حتى صراع داخلي مع النفس من أي شئ أنت ارتكبته، واللي مازلت بترتكبه في حياتك من أولها لآخرها، وإن ده بيحصل معاك دايما مهما كانت درجة أنانيتك وكسلك، ومهما كنت مؤذي، وبتعمل أفعال لا أخلاقية مع الناس اللي حواليك، وإن الأفعال دي مش بتتكشف في معظم الوقت.. يعني بتفضل مستخبية في الخفاء.
\”The hidden life of Psycho Path\”
إنما لو انكشفت.. بفعل أخطاء غير مقصودة تولول، وتصرخ، وتقول إن الأفعال دي سببها الحقيقي حاجات تانية حصلت بسبب نفسيتك المحطمة وطفولتك المعذبة!
وكمان تصور إن كلمة زي \”المسئولية\” مفهوم غريب عليك، ومش موجود بالمرة في قاموسك الأخلاقي، لكن المسئولية من وجهة نظرك عبارة عن واجبات وأعباء على اللي حواليك إنهم يتحملوها ويقوموا بيها من أجلك، وغصب عن عين اللي خلفوهم!
وكمان تصور إنك بتمارس كل رغباتك دي، اللي بدون إحساس بالخجل أو بالخوف أو بالذنب، وإن الناس اللي حواليك مش بتقدر تواجهك بنتائج أفعالك، لأنك بتقابل ده كله بدم بارد وبلا مبالاه، وإن ده كله شئ لا يمكن تصوره بالنسبه لهم على الإطلاق، ومش موجود أساسا في تجاربهم مع الآخرين! ببساطة كده مش مصدقين ومذهولين!
تخيل كمان إنك بتكذب دايما وطول الوقت \”كذب مرضي يعني\”، وساعات كتير مش بتتكشف، لكن لو انكشفت، حاتنتقل بسرعه لكذبه تانية وتلقي العبء أو اللوم على حد من اللي حواليك.. يعني أحد ضحاياك، \”وغالبا ما بيكون – أو بتكون – الضحية الأساسية بتاعتك\”، وبتطلع الضحية دي شكلها وحش ومختلة، وباختصار مجنونة، وبترسم أنت البراءة على وشك وكأنك ما عملتش حاجة!
ومرة تانيه تخيل إنك حر تماما إنك تعمل ما بدالك.. اللي أنت عاوزه، واللي بتشوفه في مصلحتك.. يعني باختصار أنت تقدر تعمل أي حاجة طالما مازلت مش متشاف، ومش بتنكشف من الناس اللي حواليك.
تخيل كده.. ده مجرد تخيل.. تخيل إزاي حاتعيش حياتك؟
وحاتعمل إيه في السر الكبير اللي أنت شايله جواك، واللي بيديك كل المميزات دي؟
وحاتعمل إيه مع الناس اللي عملتلهم صدمات وكوارث رهيبة في حياتهم، سواء بسبب عدم خبرة منهم أو قصور في تجاربهم، أو ببساطه لأنهم صدقوك، ووثقوا فيك، لأن ده النمط الإنساني اللي اتعودوا يتعاملوا بيه، وعشان كده ما قدروش يتعرفوا عليك، أو يشوفوك على حقيقتك.
وعلى فكرة الكلام ده مش من عندي، لكن من كتاب عالمة النفس الدكتورة \”مارثا ستاوت\” \” السيكوباتي – أو السيسيوباتي – هناك على الباب التالي.
(2)
الدكتورة \”مارثا ستاوت\” بتقول لنا: إن الاجابة بتعتمد – إلى حد كبير- على رغباتك وطموحاتك أد إيه.. الناس مش زي بعضها (حتى الأشخاص اللي ما عندهمش ضمير… و …. و …. زي السيكوباتي حتلاقيهم برضه مختلفين)
فيه منهم الخامل، أو متوسط الذكاء، أو الغبي، وفيه الذكي.. والذكي جدا، واللي طموحاته كبيره جدا، ورغباته متوحشة.. مش مهم يحققها إزاي، أو على حساب مين، أو بالأصح على أكتاف أد إيه من البشر ممكن ياخد اللي هو عاوزه.
وفيه كمان الموهوبين (من أطباء وعلماء ومهندسين)، وفيه عديمي الموهبه، وفيه العدوانيين جدا، واللي درجة العنف عندهم بتصل إلى درجة الجريمة الكاملة، وفيه درجات عنف أقل، لكن في الغالب العلماء لقوا إن معظم السيكوباتيين في المنطقة الوسط (الـ ما بين بين).
ونرجع لسؤال إنك لو تخيلت إن مفيش حد حايوقفك بالقوة.. حاتعمل إيه؟
الإجابة البديهية من سيكوبات: \”حاعمل أي حاجة.. وكل حاجة!\”
بتقول الدكتورة \”مارثا ستاوت\”: \”إنك لو اتولدت في التوقيت المناسب، وفي المكان الصح، وإن عيلتك سانداك سواء بالمال، أو بالمكانة الاجتماعية، وكان عندك شئ من الموهبة، حاتقدر تمتص دم ناس كتير، أو تقتل أكبر عدد منهم، ومش مهم إن الضحايا دول هما مين، وحتى ممكن يكونوا معروفين بالنسبه لك ولا لأ، إنما حاتقتلهم وبس!
وكمان حاتقتلهم بدم بارد، وبإحساس بالانتعاش والرضا!
طبعا ده جنون، وشئ مخيف جدا، لكنه حقيقي جدا، وواقعي، والنسبة الموجوده سواء في السجون أو في مستشفيات الطب النفسي، يعني النسبة المشخصة 4 %، لكن غير المشخصة، واللي عايشين بينا كأسوياء زي رجال الأعمال، أو الأطباء، أو المهندسين.. اللي بيسموهم Subclinical psychopath.. دي نسبة كبيرة أوي، لأن حتلاقي كتير مننا، ومن أهالينا، ومن أصدقائنا.. ما حدش منهم ما قابلش أو ما تأثرش بواحد من السوسيوبان أو السيكوبات.. حتى اللي مننا ما وصلش لدرجة الصدمات الكبيرة والكوارث الكبرى، لكن حاتسمع كتير من الحكايات عن السيكوبات دول اللي استنزفوا حياتنا، وسطوا على مواردنا المالية، وسرقوا وقتنا ومجهودنا وهزوا صورتنا قدام نفسنا وهددوها.
وحقيقي الشئ المدهش إن ناس كتيرة، ما تفرقش جاجة عند المتلازمة دي، اللي هي \”السيكوبات والسوسيوبات\”، ومتصورين إنهم منحصرين في الناس اللي بيرتكبوا الجرايم أو العدوانيين، أو اللي بيقضوا عمرهم في السجون طبقا للقانون الجنائي، لكن في الحقيقة إن كتير مننا – أو معظمنا – مش بيقدر يتعرف عليهم، أو يلاحظ عددا كبيرا جدا من السيكوبات خاصة الشيك والمهندمين، وغير العدوانيين (بشكل صارخ وفج).. يعني بالذات الأشخاص اللي ممكن يحطموك معنويا.. بداية من أصغر الأشياء – واللي الناس بتعتبرها عادية – زي الكذب عليك بشكل دائم، أو التلاعب بعقلك والحط من كرامتك، وصولا إلى سحق روحك وحياتك وتدمير إنسانيتك، وعالم النفس \”روبرت هار\” بيسميهم آكلي الأرواح، أو مفترسي الأرواح \”Soul Eaters\”.
وبتصنف الدكتورة مارثا إن أعلى فصيلة من السيكوباتيين توحشا: هما (منعدمي الضمير بالكامل)، سواء كانوا من القتلى الجنائيين أو من صائدي البشر أو مفترسي الأرواح.
عن \”الضمير\” بتقول الدكتورة مارثا شئ مهم جدا، بتقول إن الضمير هو الحد الفاصل، وهو ما يميزنا تمييزا دقيقا وعميقا في سلم التطور عن كافة الكائنات الأخرى، وإن وجود الضمير في الإنسان أولا هو ما يجعله \”إنسانا\” وإنه أهم مثلا من الذكاء أو العرق أو الجنس.
وفي الآخر اللي بيفرق الناس دول، اللي هما السيكوباتيين (وخاصة القتلة والمجرمين منهم) عن باقي الناس العادية اللي زينا، إن جواهم فجوة شرهة لا تمتلئ ولا تشبع – سوف تتعذى دائما على دم الآخرين وعرقهم، وشقاهم – على حياتهم وعلى تعاساتهم، وهي بالفعل \”مفترس أرواح\”
(3)
\”جذابون.. أذكياء.. محبوبون (من الناس اللي بعيد)، مثيرون للانتباه، ذوو ذهن.. علاقاتهم تبدو ناجحة جدا مع النساء\”
دي الصفات اللي بيكررها دايما \”Cleykley\” في حالات الدراسة اللي رواها في كتابه الشهير، واللي بيعتبر من أشهر الكتب عن السيكوبات \”قناع العقل\” \” The mask of sanity\”.
وقال إن الشئ الغريب في الشخصية السيكوباتية دي، هو الثقة المتناهية في النفس، واللي ما بتتهزش على الإطلاق لدرجة إنها بتشبه \”الحلم المستحيل\” بالنسبه للناس الطبيعية، وده لاحظه Cleykley في دراسته لما اتقابلوا الدارسيين مع السيكوباتيين في الفصول الدراسية!
والغريب كمان إن شهيتهم دايما مفتوحة لعمل علاقات بالنساء بشكل يفوق الحد الطبيعي، ووجد Cleykley أن الأشخاص دول بيعانوا من أمراض مستعصية وغير قابلة للعلاج تماما، وإنهم سعداء كده، وإذا كانوا مش بيحسوا بشئ على الإطلاق، فالمشاعر عندهم من النوع الأكثر ضحالة.
والسيكوباتي بيعاني من أشياء مشوهه ومدمرة للذات، لأن النتائج وتبعات الأفعال اللي بتترجم عند الإنسان العادي على هيئة إحساس بالذنب أو شعور بالألم، أو لوم النفس.. دي كلها مش موجودة عند السيكوباتي،
والأشياء اللي الناس الطبيعية بيشوفوها على إنها مصايب وكوارث رهيبة، بيشوفوها السيكوباتي إن ملهاش معنى، وتافهه وغير مقنعه على الإطلاق.
ولاحظ عالم النفس \”كليكي\” أن السيكوباتيين منتشرين في المجتمع على مستوى واسع جدا ما بين رجال الأعمال والأطباء وحتى ما بين أطباء النفس!
يعني انتشارهم كأشخاص طبيعيين بيعالجوا مرضى!
وبيعتبر \”كليكي\” أن السيكوباتيين المجرمين هما \”سيكوباتيين غير ناجحين\”، لأن السيكوباتي عادة ما بيؤدي عمله بنجاح!
فيه دراسات بتتعمل حاليا (مازالت في البداية) على حالات \”السيكوبات ما تحت الإجرام\”\”Subcriminal Psychopathy\”
وبيعتبرها حالة مختلفة من الإنسان.
وفيه جانب مثير للدهشه في شخصية السيكوباتي، وهو \”حياته الخفية\” \”The hidden life of psychopath\”، واللي عادة مش بتكون خفية أوي، ووجد الباحثين أن السيكوباتيين عندهم حاجة منتظمه لأخذ إجازة لممارسة القذارة والإنحطاط وسموها \”Vacation into filth and degradation\”.. يعني شئ كده يشبه حاجة الناس الطبيعيين لإجازة كل فترة، علشان يجددوا نشاطهم ويستمتعوا بالطبيعة والبحر أو المناظر الجميلة!
واستغرب الباحثون جدا من حاجة السيكوباتي المنتظمة لممارسة قذارارت خفية من آن لآخر، وفسروها كالآتي: إن السيكوباتي وهو بيمثل وبيقلد دور الإنسان الطبيعي في الحياة، بيبقى واقع تحت ضغط عصبي ونفسي كبير جدا، وبيحتاج (احتياجا شديدا جدا) لأخذ إجازات منتظمه يعود فيها إلى نفسه وإلى إحتياجه النفسي الحقيقي (للقذارة) كلما أتيحت له الفرصة لذلك.
كليكي Cleykley، وهو بيبحث حالات السيكوباتيين كان مذهول.. وكان دائما بيسأل السؤال البديهي اللي كلنا بنسأله: \”هما الناس دول مالهم؟!\”
يعني إيه بالضبط الغلط فيهم؟
واقترب جدا من اقتراح وجيه، وهو إنهم بالفعل بينتموا إلى فصيلة الإنسان من كل الجهات البيلوجية، لكنه إنسان بلا روح، وفقدانهم لوظيفة الروح دي بالذات، هي اللي خليتهم زي الماكينات.. المكن اللي بيقوم بوظيفته بمنتهى الانضباط، كمثال إن الواحد منهم لما بيموت له عزيز، وبيعمل بعدها بسرعة حفلة علشان ينسى، وزي ما بيقول كليكي، هما بالفعل بينسوا مش هزار!
وعلشان كده تلاقي السيكوباث، بينجحوا في عملهم، وبيقدروا يستولوا على أعلى المناصب وبيصعدوا سلم النجاح بسرعه فائقة، غير مبالين بالآخرين اللي بيطلعوا على أكتافهم أو بيدوسوهم بالجزمة بخسة ونداله منقطعة النظير.
وحتلاقي دايما إن السيكوباتي لا يعرف التوقف أو الهبوط، (والناس تفتكر إن ده نشاط وطموح)، لكن السيكوباتي بشكل عام لا يؤمن بالتغيير الإنساني!