سرعان ما انتهى شهر العسل بيني وبين مدينتي الأصليه: القاهرة.
بعد الأحضان والقبلات مع الأهل والأصدقاء وجلسات السمر والنقاش، انهالت علي قنابل التعامل مع الإدارة المصرية والقطاع الخاص، لتفصح عن وجه قبيح لم أره قط من قبل.
في البدء، كانت شركة المحمول وما أدراك ما شركة المحمول.. كانت الشركة قد قررت أنني استخدمت داتا بسبعه آلاف جنيه في شهر أغسطس ٢٠١٣. تلا ذلك اعتراضي كتابيا وإرسالي تظلما رسميا، فما كان من الشركة إلا أن أوكلت شركة أخرى لتخليص مديونيات العملاء. وبعد مفاوضات لستة أشهر، قبلت الشركة الوكيلة أن ادفع خمسه آلاف جنيه كحل وسط وأخبرتني أن رقم هاتفي سيتم إلغاؤه، و بناء على ذلك، رضخت ودفعت ما اعتقدته خطأ تقنيا من شركة المحمول، ورغم كل هذا التفاوض والرضوخ، فوجئت بعد وصولي الأسبوع الماضي، بأن الشركه قررت وضعي على القائمة السوداء وإيقاف أي خط جديد أشتريه بدون إنذار!
وكان هذا أول موقف غير مبرر أمر به، تلا ذلك مباشرة موت صاحب مخزن السجاد الذي كان يحتفظ بما امتلك من سجاد منذ رحيلي.. أبلغتني الشركة حينها أنني لابد لي من استلامهم وتولاني كل موظف على حدى يعرض علي تخزين السجاد في تجارته الناشئة بنفس المبلغ. وعندما رفضت، قررت الشركة الأصلية إرسال ثلثي السجاد والاحتفاظ بثلثه، منكرة من الأصل وجود ثلاث سجاجيد مفقودة ومطالبة إياي بإثبات ذلك بإيصالات ما قبل ٢٠١١. ما علينا، مازال البحث عن الإيصالات القديمة جاري.
ولم يبدأ الضغط النفسي يتسلل إلى قلبي المشتاق للوطن، إلا عندما بدأت مسارا تحلم كل أم أن تصل إليه يوما.. استخراج رقم قومي وإعفاء من التجنيد لإبني قبل دخوله الجامعة في الخارج.
لم أتصور قط مدى بيروقراطية المطالَب التي تطرحها الإدارة المصرية، فهي تتعامل مع كل ما هو مكتوب بلغة غير العربية بأنه ورق لا قيمة له، بل وتتعامل مع أوراق معتمدة من السفارات المصرية في الخارج وكأنها وثائق مشكوك في صحتها. أضف إلى ذلك غموض القواعد والقوانين والتباسها حتى على الموظفين أنفسهم، وتضارب قراراتهم عند كل زيارة لإنهاء الأوراق.
مصر مليئة بالمساحات الضبابية، خذ عندك مثلا: هل يعفى مزدوجو الجنسيه من الخدمة العسكريه أم لا؟ هناك من يستند إلى قانون يؤكد الإعفاء النهائي، وآخر يؤكد حق وزارة الدفاع في استدعاء أي مواطن للخدمة العسكرية حتى لو امتلك جوازين سفر وهناك ثالث يؤكد بذات القوة، أن من يحسم الأمر هو وزير الدفاع بنفسه، بناء على كل حالة.
لم تمض هذه التجربة بيسر، لكنها كانت رغم كل شيء أبسط مما ما تلاها فيما يخص أوراق تجديد الإجازه لي كأستاذ جامعي.. هنا، صُدمت بأن إدارة الجامعة قررت تحصيل مبلغ عشر آلاف جنيها من أي عضو هيئة تدريس يسافر إلى الخارج، بغض النظر عن الغرض من السفر، سواء كان لقضاء مهمة علمية أو إعارة أو لمرافقة الزوج، أو حتى لرعاية الأطفال! ويستوي هنا المعيد الشاب والأستاذ العتيد الذي يعمل مستشارا لأمراء أو ملوك عرب، كما تستوي صراحه كل أسباب الإجازة. والأنكى من ذلك هو أن ذات الإدارة كانت قد قررت العام السابق حظّر عمل أي عضو هيئة تدريس أثناء إجازاته غير مدفوعة الأجر، مما يعني أن أي أستاذ حصل على إجازة لابد له من التوقف عن كسب الرزق ودفع إتاوة للجامعة حتى يتم البدء في النظر في طلبه الرسمي. وباعتباري أوفر حظا من غيري من الأساتذة، قررت قبول دفع الجباية صاغرة، ولذلك ذهبت إلى البنك لتحضير المبلغ، هنا أسعدني الحظ بمقابلة مسؤول بنكي أخبرني انني لا يمكن أن احصل على المبلغ من وديعتي الدولارية نظرا لندرة العملة الصعبة في البلاد وازدياد المضاربة، كما أخبرني أنني مطالبة من الآن فصاعدا بتقديم مستندات عن مصدر أي أموال أودعها في البنك وأن تلك أوامر البنك المركزي الجديدة.
هكذا امضيت أول أسبوع في أجازتي السنوية: أكتشف قرارات لم يتم الإعلان عنها وأدفع غرامات لقرارات مشكوك في دستوريتها وأطيع أوامر مصرفية جديدة بسبب هروب المليارديرات من مصر.
ومع بداية الأسبوع الثاني من الإجازة، قررت أن أقلل من احتكاكي بالعالم قدر الإمكان وأن أغلق نوافذ عقلي وقلبي، كما اعتدت أن أفعل في إشارات المرور الطويلة التي يختلط فيها الشحاذون بالمرتزقة بالبلطجية والنصابين.. لقد أصبحت مدينتي وإجازتي الصيفيه مجرد إشارة مرور يتم أثناؤها \”تقليبي\” حتى يحين موعد عودتي.
لك أن تتخيل عزيزي القاريء ما يمر به مدرس الثانوي أو العامل المقيم في الخارج، إذا كان هذا هو حال الميسورين من أمثالي.. بالله عليكم أين أختفت دولة القانون ومتى بدأت حالة إسهال القرارات غير الدستورية وغير القانونيه في هذا البلد؟