د. دينا الخواجة تكتب: من يَستحق احتكار التعاطف؟

أثار الجدل المستعر حول تجميد بعض – أو كل- أرصدة اللاعب الكروي الأشهر محمد أبو تريكه المالية كثيرا من التراشق سواء في الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية، واتسمت المناظرات بدرجة أكبر من الشغف كنت أتصور أنها اختفت من كثرة المظالم و المظاليم.

شئ ما عن شخصية وسيرة أبو تريكة جعل الموضوع ساخنا أكثر بكثير من حبس زوجة محمد البلتاجي بتهمة الاعتداء على ضابط، أو حكم الإعدام على ابن حسن مالك رجل الأعمال الإخواني، أو الحكم بحبس المذيعة ريهام سعيد أو الطفل الذي تسبب في كسر ذراع زميل له. والحق أنني تفاءلت أولا بهذا القدر من الشغف وتصدره النقاش، لكن سرعان ما أفل هذا التفاؤل حين وجدت أن مصيبة أبو تريكة لا تعدو أن تكون حفنة من قمح جديد نشحن به مطاحننا الفكرية المعتادة، خوفا عليها من التوقف. هناك ثلاثة مواقف تم إنتاجها وصياغتها فيما يتعلق بتجميد أرصدة أبو تريكة يمكن تلخيصها كما يلي:

– أبو تريكة القديس ساحر القلوب خط أحمر مما يعني أن الظلم وصل منتهاه أو على الأقل نقطة لا ينبغي السكوت عليها.

– أبو تريكة رياضي ورجل أعمال إخواني وممول لبعض حاجات المساجين الإسلاميين، مما يجعل تجميد أرصدته عين العقل وإجراء أمني مبرر ومشروع قانونيا وسياسياً.

– أبو تريكة لا يستحق التعاطف لأنه يمثل الرياضي العصامي الخيِّر الخَلوق مما يجعل التعاطف مع المظالم مرتبطا \” بقداسة\” الضحايا، وهذا في حد ذاته يُفرغ التعاطف من كرمه وإنسانيته، حيث يربطه بمعايير أخلاقية تجعل للبعض وليس للكل حقا في التعاطف، فتجعله إنتقائيا متخندقا وأداة حشد، أكثر منها موقف ثابت يتجاوز الأشخاص والتيارات لينصر كل المظاليم دون تمييز أو تفرقة.

والحقيقة أن هناك وجاهة لوجهات النظر الثلاثة على إختلافها، ولذا أعتقد أنه من المفيد نقل الجدل حول التمترس وراء هذا الرأي أو ذاك، إلى مناقشة قد تجعلنا لا نكرر ذات الصراعات إلى ما لا نهاية، فما حدث مع أبو تريكة حدث في السابق عند حبس الناشط علاء عبد الفتاح أو عند الحكم على فتيات شارة رابعة بـ ١٧ عاما أو عند مناقشة طرد معيد بكلية الهندسة بتهمة الاشتراك في مقتل طالب، واقتراحي أن نتساءل قبل إتخاذ أي موقف: هل التعاطف مورد قابل للنضوب؟ بمعنى أننا إذا تعاطفنا مع \”سين\” قلت الموارد المتاحة في التعاطف مع \”صاد\”؟ أم أن التعاطف أقرب لكونه عضلة مثل سائر عضلات الجسم، تنمو حين نستخدمها وتضمر حين نقلل من تدريبها؟ قد يبدو التساؤل غريبا أو باردا في إطار حمى السجال، لكنني أعتقد انه مهم لحقن الخلافات العنيفة حول من يستحق التعاطف وما المقدار المقبول للتعاطف بشكل يتجاوز الإنتماءات السياسية والخلافات الحزبية.

إن شعوب العالم التي مرت بمآزق أكبر بكثير مما نمر به من استقطاب وجلد للذات وللآخرين في مصر حاليا، استنتجت -عبر التجربة- أن التعاطف ليس موردا قابلا للنضوب، فتعاطف الغرب مع اليهود والحلفاء والأقليات الدينية والجنسية بمنطق أن دعم فئة لا يقلل من مساندة أخرى، بل على العكس يوسع من عدالة قضيتها، لتصبح جزءا من تحد أكبر اسمه الحق في الحرية.

وفي جنوب أفريقيا، انتهت معظم الأجنحة المتقاتلة إلى نبذ فكرة \”احتكار المظلومية\” وتضمين المظلومية أثنيات سوداء ومسلمة ومثلية وأفريكانز باعتبارها اشكال متفاوتة للمظالم، تكمن قوتها في تجميعها وليس في ترتيب أحقية كل منها.

إن الضلوع في ممارسة هذا التمرين العقلي القاضي بأن هناك مظالم قادرة على أن تسحق أخرى جدير بهز أرضية المطالبة بالتغيير بشكل عام وبكسر مصداقية أي مطالب، بأقرار عدل يتسع ولا يضيق.. يضم ولا يُقصي باسم \”من يستحق احتكار تعاطفنا\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top