د. خالد علي يكتب: السينما التونسيه تواجه القهر السياسي والإحباط بالموسيقى

 

نقد وتحليل لفيلمي \”على حلة عيني\” و\”شبابك الجنة\”

تألقت السينما التونسيه في مهرجان دبي السينمائي (ديسمبر ٢٠١٥) حيث اختتمت فعاليات المهرجان بفوز ليلى بوزيد بجائزة أحسن مخرجة عن فيلم \”على حلة عيني\”، وفوز الفنان لطفي عبدلي بجائزة ـحسن ممثل عن فيلم \”شبابك الجنة\”. ومن الملفت للنظر أن الفيلمين تناولا صراع المواطن التونسي في مواجهة الاضطهاد السياسي والإحباط النفسي.

تدور أحداث \”على حلة عيني\” قبل اندلاع الثورة التونسية في ٢٠١٠ من خلال قصة الفتاة فرح \”بيه مظفر\” التي تنعم بحياة بسيطة في كنف أمها \”غاليه بنت علي\” التي تصر على دخول فرح كلية الطب بعد تفوقها في شهادة البكالوريا.

لكن فرح تفضل دراسة الموسيقى وتقضي أمسياتها في الغناء مع أصدقائها في حفلات الطلبة وأماكن تجمعهم، وتحرضهم على الثوره ضد النظام الحاكم المستبد.

وعلى النقيض من والدة فرح، نرى والدها يشجعها على التمرد والغناء مع مراعاة شعور والدتها ومسايرتها بدخول كلية الطب، ولكن حياة فرح الفنية المتمردة سرعان ما تنقلب رأسا على عقب عندما يتم اعتقالها في مراكز الأمن، ويتم تعذيبها من قبل زبانية السلطة.

وفي هذا الجزء الجريء من الفيلم يتذكر المشاهد فيلم \”الكرنك\” للمخرج علي بدرخان والفنانة الراحلة سعاد حسني، حيث يتم قهرها واغتصابها،

وعند خروج فرح من المعتقل تصاب بحالة من اليأس والإحباط وتقبع بالمنزل رافضه الطعام والتواصل مع البشر.

وفي مشهد حساس ومؤثر نرى فرح ووالدتها يقاومان القهر والظلم من داخل منزلهما بترديد أغنية فرح المناهضه للنظام \”على حلة عيني\”.

يمثل الفيلم بداية قوية للمخرجة ليلى بوزيد ابنة المخرج التونسي المخضرم نوري بوزيد، ويبشر عرضها لمشاكل تونس الاجتماعيه والسياسية من خلال قصة امرأتين بمولد مخرجة عربية تونسية على درب من سبقوها، مثل المخرجة مفيدة تلاتلي.

أما فيلم \”شبابك الجنة\” للمخرج فارس نعناع، فهو قصة إنسانيه موثرة عن زوجين.. سامي \”لطفي عبدلي\” وسارة \”أنيسة داوود\”، وهما ينعمان بحياة زوجية سعيدة مع ابنتهم الطفلة الصغيرة.

وتتبدل الحياة المستقرة عند وفاة الطفلة في حادث غرق، حيث يصبح سامي أسيرا لتعذيب الضمير ولوم نفسه، متخيلا أنه كان السبب في غرق ابنته, ومع فقدان سامي الرغبه في الحياة، يسير هائماً على وجهه في شوارع تونس باحثاً عن النسيان في أحضان نساء الليل.

وعلى الجانب الآخر نرى سارة –زوجته- تصر على الاستمرار في الحياة -برغم الحزن والألم لفراق ابنتها- وذلك بمواصلة الغناء مع فرقة موسيقية من أصدقائها.

الفيلم قصيدة سينمائية موثرة ومعبرة عن مأساة زوجين تدهورت بينهما العلاقة الزوجية، حتى أصبحا غريبين تحت سقف واحد.

نجح المخرج فارس نعناع في إعادة اكتشاف الفنان لطفي عبدلي كممثل قادر على دور تراجيدي، على خلاف ما تعود منه الجمهور في أدواره السابقة خفيفة الظل.

وتظهر براعة المخرج كذلك في قيادة باقي أبطال الفيلم في لوحات تقفز بين الماضي والحاضر في سرد جذاب ومشوق.

في الفيلم أصداء لأفلام عالمية تناولت قصة الزوجين اللذين يواجهان مأساة فقدان طفلهما مثل الفيلم الأمريكي \”جحر الأرنب\” للمخرج جون كاميرون ميتشل عام ٢٠١٠، والفيلم الإنجليزي \”لا تنظر الآن\” للمخرج نيكولاس روج عام ١٩٧٣، وفي هذا الفيلم نرى تجسيدا معبرا عن مأساة الزوجين ومحاولتهما تجاوز أزمتهما عن طريق الانصهار الكامل في المتعة الجسدية، بينما يحاول سامي في \”شبابك الجنة\” تناسي مأساة موت ابنته بالانغماس في المتعة الحرام في أحضان العاهرات.

على الرغم من أن \”على حلة عيني\” و\”شبابك الجنة\” تناولا قصتين مختلفتين من حيث الشكل والمضمون، إلا أنهما يعكسان وجهة نظر واحدة، وهي التأكيد على أهمية الموسيقى والفن في مواجهة القمع السياسي في الفيلم الأول، والغناء كأداة مقاومة ضد الياس والضعف الإنساني والإحباط.

رسالة الفيلمين واحدة، وهي أن المقاومة وإحياء الأمل يمكن تحقيقهما بالموسيقى والغناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top