د. حنين عمر تكتب: من يحمي الأطفال من تجار الإعلام؟

تناقل العالم العربي قبل أيام فيديو الطفلة السورية التي غنت أغنية \”أعطونا الطفولة\” في برنامج \”ذا فويس\”، والتي غلبتها دموعها أمام الكاميرا، وراح النشطاء يتعاطفون مع هذه الدموع التي اعتقدوا أنها ذرفت من أجل القضية السورية، دون أن ينتبه هؤلاء إلى تفاصيل مخجلة فيه، مثل فرحة الأم غير المبررة التي لم تتأثر مطلقا بدموع طفلتها، بل راحت تهلل لبكائها وعلامات السعادة تقفز من عيونها، كأنها تسمع أغنية \”شخبط شخابيط\”، لا أغنية عن أطفال الحرب، وفيما كان من المفترض أن تحاول الصغيرة إيقاظ ضمير العالم تجاه قضية سوريا، نجدها في النهاية قد فشلت حتى في تحريك مشاعر أمها تجاه بلدها، ليتبين أخيرا أنها كانت تبكي من الفرح حسب ما قالته بنفسها حينما سألتها نانسي عجرم عن سبب دموعها!

وغير بعيد عن هذه الحادثة، قام كثيرون مؤخرا بتداول صورة طفلة سميت بملاك سوريا، أو موناليزا مضايا، حيث تم تركيب صورتها مع صورة طفلة أخرى في حالة متقدمة من التدهور الصحي والنحافة، وانهالت التعليقات كالعادة.. دون تبين الحقيقة أو محاولة تتبع مصدر الصورة، ليكتشف الجميع أنها لطفلة لبنانية تدعى \”ميرنا مازح\”، تم سرقة صورتها واستغلالها على الفايسبوك لجمع بعض اللايكات دون مراعاة مشاعر أهلها أو مدى الأذى النفسي الذي قد تتعرض له تلك الصغيرة، بل إن الأذى أكبر بكثير من أن يقع على طفلة واحدة، لأنه سيؤدي إلى التقليل من مصداقية أي خبر آخر بعد ذلك، مما يفقد المآسي الحقيقية تعاطف الناس الذين سيشكون من هنا فصاعدا في كل ما يتم تداوله، ليدفع أطفال سوريون آخرون ثمن رغبة بعض المرضى النفسيين في صناعة أخبار تضمن لهم توسيع نشاطاتهم الإعلامية أو الفايسبوكية وجمع أكبر عدد من المتابعين.

هذان مثالان عن حالات تزييف إعلامي، ماذا عن الحالات الحقيقة التي فيها أمثلة أكثر من أن نستطيع حصرها، ماذا عن صورة الطفل إيلان، عن صورة بائع الورد في الحمراء، عن صور أطفال العراق وسوريا وفلسطين.. إنها تنتشر يوميا انتشار النار في الهشيم وتستعرض أطفالا تحولوا إلى ضحايا للإعلام ويستخدمون كما يريد البعض استخدامهم سواء في البرامج أو الصحف أو وسائل التواصل الاجتماعي.. فيلتقط النجم الفلاني صورة مع أطفال فقراء أو نازحين ليرفع من شعبيته، وتستغلهم المذيعة العلانية – المتعودة دايما- لتقدم حلقة ساخنة عن مأساة طفلة مغتصبة أو طفل مريض.. فما الذي يحدث بالضبط ضمن هذه المنظومة الإخبارية المريضة التي لا تجد من يعالجها؟

أترك السؤال مفتوحا حتى لا أموت من الغصة وأنا أحاول إيجاد جواب، وأعود إلى المثالين أعلاه لأقول إن الفيديو الأول يفضح قدرة وسائل الإعلام على اقتطاع الأحداث وتحويرها، وإظهار ما يرغبون في إظهاره فقط من أجل استكمال الجرائم التي تمارس يوميا على أطفالنا في البلاد العربية، أما الصورة الثانية فقد فضحت الجهل والتدليس الذي نعيش فيه، وإمكانية فبركة أي شيء من أجل الحصول على أي شيء، وسط تغييب تام لعقل الجماهير العربية التي تنساق بسهولة خلف عواطفها لتكتشف في كل مرة أنه تم خداعها، مما يؤدي في النهاية إلى تبلد هذه المشاعر وتحولنا إلى شعوب ذات انفعالات لحظية على الفايسبوك أو تويتر، لكن دون ردات فعل حقيقة على أرض الواقع.

هكذا يتم قتل عواطفنا، وهكذا يتم استغلال أطفالنا.. وفي حين  نجد في العالم قوانين تحاول حماية الأطفال من الاستغلال الجسدي أو النفسي، فإننا أصبحنا نحتاج في العالم العربي إلى قانون يحمي الأطفال من الاستغلال الإعلامي ومن المرضى النفسيين الذين يستغلون براءتهم ودموعهم ومآسيهم لجمع لايكات على الفايسبوك، لا أكثر ولا أقل، دون تقديم مساعدات حقيقية لهم، وكأنهم مجرد أدوات تستخدم لخدمة ايديولوجيات أو أهداف لا تمت لهم بصلة، وحين ينتهي دورهم يذهبون إلى عالم النسيان والضياع، فمن يا ترى سيحمي هؤلاء الأطفال من تجار الإعلام؟ من سيجعل الإعلام النظيف في خدمتهم ولا يجعلهم في خدمة الإعلام المدنس؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top