قبل قليل وأنا أشاهد برنامج ذا فويس، سيطرت عليّ فكرة كتابة هذا المقال، بعد أن لاحظت – كأغلب المشاهدين العرب- ذلك الابتذال والتحرش المتكرر الذي يمارسه نجم بحجم عاصي الحلاني تجاه مذيعة البرنامج إيميه صيّاح، والتي تبدو محرجة وغير مرتاحة في كل مرة أمام كلماته وإيحاءاته وطلبه \”تقبيلها\” أو اقترابها منه بشكل فج وصادم ومفتعل أكثر من المعقول! ولمن لا يعرف ذلك: فإن زوجة عاصي الحلاني إحدى أجمل النساء في العالم العربي، وفازت بلقب \”ملكة جمال لبنان سابقا\”، وكانت \”وجه الخير\” عليه لأنها شاركت معه في أولى كليباته التي اشتهر بسببها وأسست نجوميته الحالية، ولطالما ساندته ووقفت إلى جانبه.
السؤال الذي يطرح نفسه – أرضا-: لماذا يصر عاصي على هذا \”التحرش\” اللفظي بالمذيعة؟ لنفترض أولا حسن نيته وبراءة تصرفاته، ولنقل إنه يحاول \”تخفيف دمه\” علينا، لكنه لا يعي مطلقا طبعا أن ما يفعله ليس خفة دم ولا \”عبثا\” كوميديا، بل أصبح يسيء جدا إليه وإلى تاريخه وإلى من يشاهده ويستمع إلى تعليقاته التي تبدو جنسية أكثر مما تبدو عفوية، حتى إن كان الهدف من ذلك هو نقل ما يحدث في النسخة الأجنبية بكامل حذافيرها.
لأننا – من باب التذكير– لسنا أجانبا، نحن مجتمعات مختلفة ونظرتنا للمرأة أصلا ليست بخير، فكيف إذن \”نطيّنها\” أكثر من خلال عرض نموذج تحرري غير سويّ.
أما إذا افترضنا \”سوء النية\”، والغرض من كل ما يفعله هو توصيل فكرة كونه \”نسونجي\”، ولديه هرمونات مرتفعة، فإن هذا منتهى القرف ومنتهى الإهانة لتاريخه، ولزوجته التي يفترض أن يراعي مشاعرها قليلا، وأن يراعي أيضا مشاعر زوج المذيعة وألا يقول مثلا إنه سيقبلها غصبا عن أي شخص قد يعترض!
فهل يرضى عاصي الحلاني يا ترى أن يقبّل أحد زوجته غصبا عنه؟ وهل يرضى أن يتحرش أحد بابنته أو اخته بهذه الطريقة المتكررة – حتى من باب المزاح- مما قد يجعلها تفقد احترامها أمام الجمهور ويمكن لأي أحد أن يلقي على مسامعها ما يشاء من الكلام الذي ينتهك خصوصيتها؟
وريثما يجد أحد ما أجوبة لهذه الأسئلة، سأنتقل للحديث عن صفة الرجل النسوانجي التي أردت كتابتها.. عن الرجل الذي يمضي الوقت في توزيع المغازلات يمينا ويسارا، والبحث عن نساء يؤثث بهن فراغه ويثبت بهن فحولته، وهي الصفة التي يعتقد عدد كبير من الرجال في العالم العربي أنها انتصار للرجولة، ونعت عظيم يدعو للتفاخر بين الأصدقاء، بل وفتح من فتوحات التاريخ الذكوري، رغم أنها في الحقيقة صفة \”مشينة\” ومتنيلة بستين نيلة، ومتلازمة \”مرضية\” نفسية يفترض أن تكون في باب \”إذا بليتم فاستتروا\”، وليست في باب \”أما بنعمة ربك فحدث\”، وأن يسعى المصاب بها إلى العلاج، لأن \”النسوانجي\” بطبعه يعاني من عدم استقرار داخلي وانعدام الثقة في النفس، مما يولد مركب نقص شديد يسعى إلى التخلص منه من خلال البحث عن غزوات نسائية عبثية قصيرة وغير مستقرة – وهذا كلام علمي ولم أحضره من بيتنا – ومع تطور هذا الخلل يمكن فعليا السقوط أعمق ضمن منظومة أمراض أكثر تعقيدا وخطورة.
وفي حين يعتقد \”الرجل النسوانجي\” أنه – قطّع السمكة وذيلها- فإنه غالبا لا يعرف أن المرأة – السوّية نفسيا- لا تحب من ينافقها ولا تطمئن إلى من يتحدث كثيرا عن جمالها الخارجي، ولا يمكن أن تحترم رجلا \”مجانيّ\” المغازلات ومتعدد العلاقات، فوجود نساء كثيرات في حياته ليس دليلا على أنه \”أسد\”، بل قد يكون مجرد \”قط روش\” يسلي العابرات بكلماته \”الحلوة\” ومغازلاته المبالغ فيها وموائه الحنون، لكن هل يحترمنه؟ هل يصدقنه؟ هل سيكون له هيبة؟ هل سيكون أبا صالحا لأي فتاة ستتعرض لنفس ما عرّض هو غيرها له؟
إن طبيعة المرأة الباحثة عن الإستقرار لا يمكن مطلقا أن يكون الرجل النسوانجي في نظرها قيمة عليا، أو نموذجا عظيما يمكن أن تتمناه وأن تثق به وأن يسلب عقلها وقلبها، وحتى إن طالت علاقات الرجل النسوانجي مع امرأة ما، فإنها غالبا ستظل علاقة غير طبيعية ولها جانب مريض ومظلم ومؤلم.
إن الرجل الحقيقي – فارس أحلام البنات- الذي قطّع السمكة وذيلها والبحر الذي تسبح فيه، هو الرجل الثقيل – الذي تحدثت عنه سعاد حسني في أغنية \”يا واد يا تقيل\”- والذي تركض كل نساء الأرض خلفه ولا ينظر إليهن، تمر الجميلات أمامه فلا تهزه سوى من يمنحها هو إِذنَ أن تهزّه، لا يوزع عبارات الإعجاب والغزل مجانا، لأنه ليس جائعا لجسد ولا ملهوفا على عطر أنثوي، ليس مراهقا تغريه شفة ولا متصابيا يلهث خلف كعب، فهرموناته تحت سيطرته وليست تحت سيطرتها.
الرجل الحقيقي هو الذي إن قال لامرأة: \”أنت جميلة\” فقد دخلت التاريخ لشدة ندرة الحدث، هو الذي يرى روح المرأة قبل أن يرى جسمها ويعلّق على هذه الروح ويتعلق بها، هو الذي لا يكذب على حبيبته، ولا يخون زوجته، هو الذي يعرف أنه من السهل أن تحبه نساء كثيرات وأن يخونهن جميعا، لكن من الصعب أن تحبه امرأة واحدة وأن يظل وفيا لها، وسيختار الصعب طبعا لأنه \”قادر عليه\” أما السهل فيترك \”للعاجزين\”.
الرجل الحقيقي هو الذي يختار امرأته بعين ذكية ويجعلها ملكة متوجة وحيدة في مملكته، ولأن كل نساء الأرض – السوّيات نفسيا- يرغبن في أن يكن ملكات متوجات وحيدات، لا جزءا من مجموعة الجواري التي قد يمتلكها أي أحد، فكيف يا ترى سينظرن إلى رجل بهذه المواصفات؟ وكيف سيبدو أي رجل \”نسوانجي\” أمام هذا الرجل \”كامل الأوصاف\”؟ ومن منهم سيبدو \”ملكا\” تحلم به القلوب العاشقة ومن منهمم سيبدو \”مهرجا\” مسليّا ليس إلاّ؟
لن أجيب مرة أخرى على هذا السؤال، سأتركه لذكاء العابرين، لكنني سأقول في نهاية مقالي، إن الرجل الحقيقي – على قلة هذا النموذج الطبيعي في زمن المسخ الذي نعيشه- إنما هو رجل بأخلاقه وهيبته واحترامه لنفسه، وبقيمته الإنسانية أولا وأخيرا، وليس بأي شيء آخر من أعراض المتلازمة النسوانجية المرضية.. والله هو الشافي المعافي.