د. حنين عمر تكتب: البحث عن فضيحة

عام 1973 أنتجت السينما المصرية فيلما شهيرا بعنوان \”البحث عن فضيحة\” أخرجه نيازي مصطفى وقام ببطولته كل من عادل إمام وميرفت أمين وسمير صبري إلى جانب الفنان القدير يوسف وهبي، واتسم بكوميديا عالية، تتطابق بشكل كبير مع الكوميديا التي نعيشها اليوم في كل مجالات، تماما كما يتطابق عنوانه مع الحالة العامة التي نعيشها في أغلب الدول العربية بعد أن أصبح \”البحث عن فضائح الآخرين هو العنوان الرسمي ليوميات مواطن عربي يقع تحت رحمة مجتمع فضولي يدعي الملائكية من جهة وإعلام ساذج ينشغل في تعقب الإشاعات والكذبات بكل أنواعها بعيدا عن أي مصداقية أو مهنية.

تعج صحف –صفراء- كثيرة ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتوب بكلمة \”فضيحة فلان\”، وكأن هذا العنوان هو الكلمة السحرية التي تجذب الناس كالمغناطيس وتحثهم على الاهتمام والقراءة، لكنّ هذه الفضائح غالبا لا تحمل في طيّاتها سوى الكذب والافتراء وحشر الأنف في ما لا يعنينا، أمّا الفضائح التي تعنينا فيتم التكتم عليها.. إذ تظهر ملفات فضائح الفساد السياسي والاقتصادي والدبلوماسي وتختفي دون أن تحصل على نفس التطبيل الذي قد تحصل عليه فضيحة جنسية على سبيل المثال، لأن هذا النوع الأخير هو المفضل لدى المجتمع العربي والأكثر تداولا، في ظل الكبت والتابوهات وادعاء أغلب أفراده بأنهم ملائكة منزهون على الأرض، إضافة إلى اهتمام السياق العربي السوسيولوجي بالمظهر فقط الذي يتوجب أن يكون \”ما شاء الله\” في العلن، بعيدا تماما عن الاهتمام بالجوهر الإنساني للفرد الذي غالبا ما يكون: \”أعوذ بالله\” في السر.

وإن كان تعريف الفضيحة يعني \”كشف المساوئ بشكل علني\” حسب تعاريف معاجم اللغة، فإن علينا أن نعرف أن المساوئ التي يتوجب كشفها هي المساويء التي تخصنّا في حياة الشخص، كالفساد والاعتداء على الآخرين وسلب حقوقهم وسرقة جهودهم، إنه ذلك النوع من المساوئ الذي يمس الصالح العام أو يؤثر عليه، أما ما ليس لنا علاقة به أو ما يخص حياته الشخصية، فهذا أمر يحاسبه الله عليه ولا يمكن للناس أن يتقمصوا دور الله عز وجل ليحاسبوا الآخرين على هفواتهم، لأن المضحك أن يهبّ أناس يقومون بنفس الأخطاء –غالبا- في السر، لمحاسبة أولئك الذين ارتكبوا الخطأ نفسه لمجرد أنه تم فضحهم إعلاميا، ومن الكوميدي مثلا أن نشهد إقدام إعلامية مشهورة – لم أعد حتى أرغب بذكر اسمها احتراما لسمعة المقال- على نشر صور شخصية كانت في هاتف فتاة مراهقة وهي ترتدي مايوه على البحر، أو وهي ترتدي قميص نوم في غرفتها، على أنّها فضيحة.. في حين أن الفضيحة الحقيقية هو أن تحاسبها تلك التي نجد صورا لها بنفس نوعية الثياب –فساتين بلا أكمام- تظهر بها \”الست المشهورة\” في مناسبات عامة، هي التي من المؤكد والمصرح به أنها تلبس المايوه على البحر أيضا، ولها حياتها العاطفية بلا شك وسبق أن دافعت عن حرية صديقتها وحرية الملبس.. أليس هذا النفاق الإعلامي واللعب على عقول المشاهدين والكيل بمكيالين والظلم والكذب والافتراء والتحريض.. فضيحة تهدد كل الناس أكثر مما تهددهم أفعال فتاة مراهقة في غرفتها أو مع أصدقائها؟ نعم إنها هي الفضيحة بعينها.. الفضيحة التي يجب أن يتم كشفها ومحاربتها والتي – والحمد لله – انتبه إليها عدد كبير من الناس فهاجموا \”الست المشهورة\” التي حاولت أن تصنع سبقا صحفيا على سمعة فتاة تعرضت للضرب في الشارع من شخص يفترض ألا يتحدث معها أصلا، لأن حياتها تخصها، ولأن الله \”لا يحب المعتدين\”.

هكذا إذن.. يُترك المعتدي على حقوق الناس في مجتمعنا، ويتم الإمساك بالضحية وإلصاق التهم بها وجعل سمعتها \”علكة\” تلوكها الألسن – أكره العلكة بالمناسبة ولا أستطيع وضعها في فمي – ، مثلما يُترك المغتصب وتحاسب الفتاة التي تم اغتصابها ويتم تجريمها، ومثلما يُترك المُطلق ونحاصر المُطلقة.. ويترك الرجل الخائن ويلاحق الأم والشقيقة.. المرأة التي تتم خيانتها في مجتمع يعتبر المرأة عارا والرجل شرفا.. الأمثلة كثيرة، لكنني لن آخذ هنا جانب المرأة أكثر من الرجل حتى إن كانت الضحية المفضلة لصانعي  الفضائح، لأن كل ما أريد أن أقوله في النهاية هو أن \”الفضيحة\” نوعان.. \”فضيحة حقيقة\” نشكر من ينشرها لأنها تهدف إلى إصلاح المنظومة الإنسانية – مثل فضائح الغش في المباني والرشوة والفساد والسرقات الفكرية والمادية إلخ.. وفضيحة مزيفة يصنعها أناس يرغبون في استغلال القراء لكسب المال وتركيز انتباههم على ترهات لا تخصهم مثل – زواج وطلاق الفنانين ومشاهدهم السينمائية وتصرفاتهم اليومية أو هفواتهم غير المقصودة – والهدف من كل ذلك هو تحجيم عقول الناس والتقليل من وعيهم وإبعادهم عن المطالبة بإعلام صادق ونزيه يكشف الفساد الحقيقي الذي يجب إصلاحه، ليتمسكوا بصفحات نشر الفضائح التي لا تهمهم ولا تضيف إليهم شيئا سوى – ربما – الشعور المريض الذي قد يعتري كثيرين ويمنحهم نشوة الإحساس بأنهم \”آلهة\” تتكشف الخبايا أمامهم ليحاسبوا من حولهم متناسين تماما أن الله سيحاسبهم يوما ما على \”العلن\” أيضا، وأن من سينجو في النهاية هم فقط من يعرفون الفرق بين \”الفضيحة\” و\”الفضيحة\” ، بين الحق والظلم، بين ما يخصهم وما لا يخصهم، هم أولئك الذين يميزون جيدا بين الفضيلة الهادئة الراقية  التي تحاول أن تصلح قلوبنا وانسانيتنا، وبين الرذيلة الصاخبة المبتذلة التي تتنكر في ثوب الفضيلة لتتمختر بكامل قبحها وادعاءاتها داخل نسيج مجتمعاتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top