د. بكر سلطان يكتب: فهرينهايت 18 يوم

بينما كنت أهم بدخول المستشفى في عصر ذلك اليوم.. الثلاثاء 25من يناير.. تهادى لسمعي نجاح أول ساعات في دراما سقوط مبارك الفعلي، بعد سنوات من سقوطه القيمي والأخلاقي والإنساني.

كانت الساعات الأولى في إسقاطه أشبه بادخال قسطرة قلبية، أو إجراء عملية بزل لبطن متورم.. أحرج لحظاتها وأخطرها في إدخالها وإعدادها للسريان.

عندما مر عصر هذا اليوم، وكسر الشباب حواجز الخوف والذعر التي سادت لسنوات من مبارك وعصره، بات الطريق لإزاحته -بالنسبة لي- قضية وقت يطول أو يقصر، بحسب الثوار وعزيمتهم وإصرارهم على مطلب الرحيل.. ولا شئ غيره.

ظللت اتسمر أمام الفضائيات طوال الأيام الـ17 التي تسبق الرحيل، في المستشفى التي توالت فيها المناوبات يوميا بلا رحمة، لتحرمني من مشاركة أكبر من هذه في ساعات الشرف والمجد.

وفي عشية اليوم الـ18.. خرجت من باب المستشفى اتخبط في طوابير أهل مدينتي المصطفة لسماع خبر جلل.. كنت أشعر أنها ليلة خالدة.. حتى رن هاتفي، وسمعت من الطرف الآخر صوت شقيقتي من القاهرة، تخبرني بأحرف مقتضبة وبتكرار: بأن مبارك رحل.. سرحت لمدة طويلة، وشعرت بأن ثقلا رهيبا قد انزاح عن صدري، وتسارعت قدماي في الطريق الذي لم أعد اتبينه، ولم أعد اكترث بهذا أصلا بعد أن تزاحمت الأمنيات والتخيلات على العقل والروح، وعلت ضربات القلب، وغطى العرق الجسد كله، وغمرتني رغبة شديدة لرشف قطرة ماء تطفئ كل هذا الاشتعال المميت!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top