منذ أشهر قليلة طالعتنا الإعلامية جميلة إسماعيل بمبادرة تطالب فيها بمساواة أجور الأطباء مع أجور وكلاء النيابة وضباط الجيش والشرطة، معللة ذلك بأن أجورهم متدنية، ولا تكفي لوجبة كشري يوميا، وأن شباب الأطباء من الظلم تصنيفهم مع كبار ومافيا الطب الخاص في مصر.
بداية.. نتقدم بالشكر للأستاذة جميلة إسماعيل على مبادرة لم يتقدم بها من اختارهم الأطباء لتمثيلهم في النقابة، والذىن من المفترض أن يكونوا هم الحامي لحقوق الأطباء.
بالطبع كل الاحترام لكل الوظائف المذكورة سابقا، ومن يعمل فيها بجد وضمير، وبالطبع هم يستحقون ما يتقاضون، لكن لابد لنا ألا ننسى مهنة الطب ولا ننسى الأطباء، فكلنا جنود للوطن.. كل يحارب على جبهته.
كم سررنا حينما علمنا بهذه المبادرة، وكيف لا وهي من أجل المطالبة بحقوق ضائعة لم ينصفنا فيها أي مسئول أتى سابقا، ونتمنى أن يسمع لنا صدى عند المسئولين الحاليين ومتخذي القرار في مصرنا الحبيبة.
هي مبادرة لا تدعو أبدا إلى الاخلال بمهنة الطب، ولا التقصير في حق المواطنين، على العكس تماما، نتمتى ونسعى بها إلى الارتقاء إلى مستوى أعلى, للتفرغ التام لمهنة الطب, ولرفع قيمة صحة المواطن، وبالتالي لرفع الانتاج من أجل ازدهار هذا الوطن.
لكنه السؤال الذى يطرح نفسه:
لماذا يكره الناس الأطباء في مصر؟
هل يؤخذ الأغلب الأعم من الأطباء بجرم فئة قليلة آكلة للحوم البشر، نعترف بوجودها ونسعى لترويضها من أجل صحة المواطن؟
لماذا لا ننظر بعين الرحمة لأطباء الرحمة؟
هل هذه هى مكافأة الجد والاجتهاد؟
لماذا يعتقد البعض أن كل الاطباء بلا ضمير، مع أن ما يقرب من 75% خارج البلاد؟
لماذا يكتب علينا بعد كل هذا الاجتهاد والتفوق، الغربه من أجل العيش في حياة كريمة.. هل هكذا نكرم المتفوقين ونرفع قيمة العلم؟
لماذا تجرنا الظروف إما للغربه أو العيش بمال حرام من مافيا الطب الخاص (إلا من رحم ربي)؟
لماذا يعتقد البعض أن العيادات عمل خاص ويتناسون أن اعضاء المهن الأخرى يعملون في تجارة العقارات والمشاريع.. أليست هذه أعمال خاصة؟
لماذا ينظر إلينا أن لدينا اختيار الغربة، مع أن القضاة مثلا لديهم نفس الاختيار، ومع هذا الفارق الرهيب في الرواتب؟
نحن الأطباء أبناء هذا الوطن نتمنى أن نخدمه, نتمنى أن نخدم أهلنا دون ذل أو مهانة.. دون مص دماء الفقراء، كما تعيش المهن الأخرى كالمهن المذكورة سابقا، والكهرباء والبترول والاتصالات والبنوك.. لا نطلب التفضيل، مع احترام كل هذه المهن (مع أن هذا التفضيل هو ما يحدث في العالم المتقدم ودول الخليج).
لماذا كتب علينا أن نعيش بعيدا عن تراب الوطن، حتى إن بعضنا لا يستطيع الفرح مع عزيز له أو حتى الحزن على فقدان غال عنده, وقد يصل الأمر إلى موتنا بعيدا عن بلادنا وأهلنا؟
أحيانا الغربة تكون في أماكن لا يستطيع من يعارضنا العيش فيها, فليست الغربة دائما في دبي على سبيل المثال.
هناك الكثير من البيوت انهارت بسبب غربة الأطباء عن بيوتهم وبلادهم، ومازلنا نجد البعض يتحدث عن أنه اختيار متاح.
هناك الكثير من أسر الأطباء المغتربين تعاني في الغربة، ولا يبالي بهم من ينتقدهم، وحتى الغربة ليست متاحة للجميع.. هناك من تمنعه ظروفه العائليه.. هناك من تمنعه صحته ومرضه، وهناك من منعه هدم أسرته من أجل الغربة.
هل تعلمون أن حتى خيار الغربة في تناقص تدريجي بسبب اعتماد الدول (المستوردة) للأطباء المصريين على شبابها مؤخرا؟ بالإضافه إلى ضعف قيمة الشهادات المصرية، والذي يتحمله مسئولو الصحة بالتعاون مع الجامعات؟
هناك دول كانت خلفنا بمئات الأميال.. الآن تسبقنا.. كنا نعالجهم ومازلنا، وهم يقدرون هذا، لكن في بلدنا لا نلقى هذا التقدير أبدا، حتى إن في تلك الدول، والتي يتوفر فيها علاج على أعلى مستوى, صوت المريض (عديم الدخل) يصل إلى الملوك والامراء والمحافظين، ويتحركون فور علمهم بمعاناة مريض, يصلون إليهم بكل يسر، وإن لزم الأمر علاج مواطن فقير خارج بلادهم، وفي بلادنا لا يستطيع المريض أن يقابل مدير مستشفى، ناهيك عن أحلام مقابلة المحافظين والوزراء.
هل تعلمون أن راتب الطبيب في الولايات المتحدة هو من أعلى الأجور في الدولة؟
هدفنا هو صحة جيدة لشعب عظيم.. وحياة كريمة لمن يعمل في هذا المجال، ولهذا نتمنى أن يدعمنا الناس في أهدافنا.
يا مسئولي الصحة في مصر.. راحة القائمين على المنظومة الصحية، وتوفير اللازم لها من إمكانيات وميزانية مقبولة، أهم من دفاتر الحضور والانصراف، التي تحتضنوها كل صباح.. لا نريد الإسكات بحوافز تعطى ورقيا، ولا تؤخذ فعليا من كثرة وإجحاف شروطها.. نريد راتبا محترما يحترمنا ويحترم آدميتنا ومهنتنا.
هل تريدون الحفاظ على المنظومه وإصلاحها، أم تعتمدون سياسه التطفيش؟
أستاذة جميلة إسماعيل.. كم كانت سعادتي كبيرة بتبني المبادرة، لكن اتمنى الاستمرار فيها والدعم بقوة أكثر من أجل أكثر من 260 ألف طبيب مصري.. أكثر من ثلثهم هرب آسفا على وضع الطب والأطباء في مصر، بعدما شعروا بالغربة داخل الوطن في ظل عدم تقدير المهنة وأصحابها.
سيدتي تقبلى احترامنا وشكرنا، ولا زلنا ننتظر المزيد.
للتواصل مع الكاتب:
ehababurahma@gmail.com