د. أمير هاني يكتب: بالعلم وليس الحدس

\"\"

– \”لن تنتصر علينا أبدا أيها الإعصار، سنقاتلك بكل ما نملك\”.
كانت تلك هي كلمات لمواطنة أمريكية، موجهة للهواء العاصف أثناء بداية دخول الإعصار المدمر \”إرما\” على سواحل ولاية \”فلوريدا\” الأمريكية، (أعانهم الله على تجاوز تلك المحنة بسلام).
قالت ذلك أيضا في نفس الوقت الذي تجمع فيه بعض المواطنين الأمريكيين على الساحل ما بين ناهرين له بالصلاة وآخرون لإطلاق النيران عليه.
تعبيرا عن صمودهم وقتالهم أمام كيان معتد شرير!
– \”إننا نمشي منذ ساعات، لا يبدو لي أن هذا الإتجاه هو الجنوب حقا يا تشارلز\”.
قيلت هذه العبارة في فيلم أجنبي قديم من شخصية تدعى \”روبرت\”.
وتدور قصته بإختصار حول ضياع \”تشارلز\” وصديقيه \”روبرت\” و\”ستيفن\” في غابة برية، بعد نجاتهم من حادث ارتطام طائرة.
فيقوم تشارلز بصنع بوصلة يدوية لكي يتبعوها جنوبا بإتجاه العودة للمدينة.
وأثناء مشيهم يشعر \”روبرت\” بأن هناك خطأ ما بإتجاه البوصلة، إستنادا على حدسه الغريزي.
نهاية الفيلم كانت لمن يريد أن يعرف أن \”تشارلز\” كان الناجي الوحيد!
– \”هل لك أن تفسر لي تلك الظاهرة لو لم تكن بسبب الإله \”زيوس\”؟
وهي مقولة كان يُواجه بها دائما المتشككين في كيفية حدوث البرق والرعد عن أنها ربما لسبب آخر غير إله البرق عند الإغريق \”زيوس\”.
ولم تكن هناك إجابة لهذا السؤال التقليدي على مدار قرون.
فكان دوما الرد التلقائي الواثق على العجز عن الإجابة هو: \”إذا لابد أن هذا بسبب الإله \”زيوس\”.
قبل أن يثبت العلم لاحقا أن البرق ما هو إلا تلاقي شحنات كهربائية موجبة وسالبة داخل بخار الماء المكثف الذي ندعوه \”سحاب\”!
فما بين الحاضر والماضي وحتى في سيناريوهات الأفلام، لطالما كان الحدس والخيال هما الجزء الأهم في حكم الإنسان السطحي على كل شيء، وليس الدليل.
سواء في صعوبة إدراك عقله المحدود لمعنى الحياة وكينونة الطبيعة وقوانينها القاسية أحيانا، ومن ثم تجسيده الكاذب لها في شكل يسهل استيعابه شبيه بأبعاد الإنسان الفكرية. أو بإحساسه المضلل بمعرفة اتجاهات المسير وطرق الحياة غريزيا، بدلا من الاتكال على بوصلة العلم لتحديدها.
أو حتى في تفسيره الخاطيء للظواهر الطبيعية والحياة اليومية والأحداث الشخصية، وإدخاله للميتافيزيقيا أو الروحانيات في كل ما لا يعلمه أو يفهمه.
والحقيقة أن الحدس دائما ما يخطيء ويخدع، إذا ما قورن بإحترافية العلم وبمنهجية التفكير العلمي.
بل حتى مفهوم شيء نتداوله جميعا في حديثنا اليومي كمفهوم \”الوقت\”، هو شيء خادع للإدراك الإنساني.
فالإدراك البشري الغريزي بمحدوديته لا يعي فكرة أن الوقت هو في حقيقة الأمر تجربة نسبية للجسم طبقا لنظرية النسبية العامة لأينشتاين.
أي أنه ثبت علميا وعمليا أن الوقت يمر بطيئا كلما تحرك الجسم سريعا بالمقارنة بجسم آخر، أو حتى قد يقف تماما إذا ما تحرك الجسم بسرعة الضوء، وهو ما يصعب استيعابه بالحدس.
فإذا ما أردت أن تكمل المسير في طريقك الفكري تجاه الحقيقة، فتأكد أولا أن حقيقته ليست بسراب، باستخدام العلم والتفكير العلمي.
إلا إذا كنت تسلك طريقك الفكري ليس لهدف الوصول للحقيقة في حد ذاته، ولكن تماشيا مع التيار وخوفا من المشي وحدك في اتجاه آخر.
أو لأنك تستمتع بالمنظر من حولك وبالتجربة بغض النظر عن وجهته.
أو حتى لأنك تتكاسل عن البدء بالسؤال عن وجهة طريقك بعد كل المسافة التي قطعتها به.
لكن إن كنت تخضع لأي من تلك الثلاثة أحوال، فإياك أن تدعي أنك تسير في طريق الحقيقة.
أما كل من يبحث عن طريق الحقيقة، فاتجهوا دوما إلى بوصلة العلم ولا تعتمدوا على فطرتكم الخادعة.
فالحدس هو الاسم الرسمي لما يعرف لدينا كشرقيين \”بالفهلوة\”، وجميعنا للأسف يعلم عن تجربة إلى أين تؤدي تلك الكلمة.
وكما يقول المثل المصري العامي:
اللي مايعرفش يقول \”حدس\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top