د. أمل الجمل: مهرجان كان السينمائي ومأزق الهوية القانونية للأفلام

لاشك أن التصريح المفاجئ لتييري فريمو – المدير الفني لمهرجان كان السينمائي – يفتقد للمعايير العلمية في تحديد جنسية الأفلام، مثلما يخلط بوضوح جلي بين الهوية القانونية والهوية السينمائية والهوية الثقافية للأفلام، فقد أعلن فريمو أن \”المهرجان قام بتصنّيف هوية الفيلم وفق هوية مخرجه\”، وذلك في نظره بسبب \”صعوبة التصنيف بغير ذلك، لأنّ معظم الأعمال اليوم صارت من الإنتاج المشترك بين بلدان عدة، وبذلك تُصبح متعددة الهوية.\” جاء التصريح السابق أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقدته إدارة مهرجان كانّ السينمائي والذي حضره بيار لسكور رئيس المهرجان، وذلك للإعلان عن تفاصيل الدورة التاسعة والستين لواحدة من أعرق وأشهر التظاهرات السينمائية في العالم والتي ستُعقد من ١١ الى ٢٢ مايو الجاري.

الصواب في تقديري أن تُنسب جنسية الفيلم إلى الشركة المنتجة – مهما تعددت شركات الإنتاج – مثلما كان يحدث دائماً، لأن إرجاع هوية الفيلم القانونية وربط جنسيته بهوية المخرج أمر مُضلل للباحثين والمؤرخين السينمائيين في حالة توثيق ورصد التطور السينمائي لكل بلد، وغير مفيد أيضاً في حالة مواجهة السينما الهوليوودية بتكتلات سينمائية أوروبية أو من بلدان وثقافات أخرى، لأن هوية المخرج لا تٌعبر عن الهوية الحقيقية للفيلم وتعتبر هوية سينمائية فقط تعني أن الفيلم يحمل توقيع المخرج الفلاني، أما الهوية القانونية فمن حق رأس المال المنتج للشريط السينمائي، ويأتي بعد ذلك الهوية الثقافية للفيلم والتي يُحددها المضمون الفكري للفيلم والقضايا التي يطرحها، ومثال ذلك من السينما المصرية فيلم \”باب الشمس\” للمخرج يسري نصرالله، هو فيلم لمخرج مصري تحقق عن طريق الإنتاج المشترك لكنه هويته الثقافية ليست مصرية لأنه عن القضية الفلسطينية.

ومن السينما العالمية يمكن استحضار أكثر من نموذج يكشف خطأ تصريح فريمو فمثلاً؛ الأفلام التي أخرجها البولندي رومان بولانسكي من تمويل أمريكي هل تعتبر بولندية حتى لو كانت تتناول موضوعات لا تمت لبولندا بصلة أم تعتبر أفلاماً هوليوودية؟! مثال فيلم \”الحي الصيني\” Chinatown، فمن المعروف أن بولانسكي – إلى جانب أفلام الإنتاج المشترك – أخرج أفلاماً من إنتاج بولندي، وأخرى من إنتاج فرنسي، وثالثة من إنتاج بريطاني، ورابعة من إنتاج هوليوودي، فهل نعتبر الأفلام جميعها أفلاماً بولندية؟!

كذلك الأفلام التي أخرجها الإيراني عباس كياروستامي خارج إيران ومنها اثنين؛ الأول \”نسخة طبق الأصل\” برأس مال فرنسي ونجوم وفريق عمل فرنسي بالكامل فهل نعتبره فيلماً إيرانياً أم فرنسياً؟ وفيلمه الثاني  Like Someone in Love الذي أخرجه وقام بتصويره بالكامل وموضوعه في اليابان وكذلك النجوم فهل نعتبره إيرانياً أم يابانياً؟ وإذا اعتبرنا فيلم \”نسخة طبق الأصل\” التي قامت ببطولته جولييت بينوش والفيلم الآخر \”كشخص وقع في الحب\” أفلاما إيرانية فهل يحق لنا أن نسأل ماذا فيهما من إيران؟ وماذا بهما يدل على أن هويتهما إيرانية؟! والأمر ذاته ينطبق على المخرج الإيراني أصغر فرهادي وفيلمه \”الماضي\” والذي تحقق برأسمال فرنسي بالأساس إلى جانب مشاركة إيطالية، ويدور بالكامل في الأراضي الفرنسية فهل نعتبره فرنسياً أم إيرانياً؟

نضيف لما سبق تجربة المخرج التونسي عبد اللطيف كشيش خصوصا فيلمه \”حياة أديل\” الذي شارك في مسابقة كان الرسمية عام 2013 على أنه فيلم فرنسي – وإن شارك في إنتاجه كل من أسبانيا وبلجيكا – ونال سعفة كان الذهبية مع بطلتيه، فهل يحق لنا أن نسأل مدير المهرجان تييري فريمو هل يعتبر \”حياة أديل\” فرنسيا أم تونسيا؟ وإذا اعتبرناه تونسيا بسبب هوية مخرجه فهل يستطيع فريمو أن يخبرنا عن علاقة تونس بموضوع الفيلم؟

في تقديري، ووفق ما كان يحدث من قبل في كل دول العالم، أنه في الإنتاج المشترك يُنسب الفيلم إلى الجهة صاحبة النسبة الأكبر في رأس المال، أما إذا تساوت الأطراف المشاركة فيتحدد في وثيقة العقد إلى أي دولة يُنسب الفيلم، وحقوق كل طرف في مناطق التوزيع. مع الوضع في الاعتبار أنه إذا كان الفيلم يكتسب هويته القانونية من الجهة صاحبة رأس المال، فإن هويته السينمائية تظل حكراً على جنسية مخرجه، في حين يُمنح الشريط السينمائي هويته الثقافية من روح العمل المُقدم وجوهر الموضوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top