\”دولة لا تُنتج السينما كيف لها أن تُنظم مهرجانًا سينمائيًا، فلتنتج أفلامًا أولًا ثم تحتفل بإبداعات الفن السابع بعد ذلك\”. كانت تلك الكلمات تتردد كثيرًا على ألسنة عدد من الصحفيين والنقاد قبل أكثر من عشر سنوات عندما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن نيتها في تنظيم مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يُكمل هذه الدورة عامه الثالث عشر والذي تمتد فعالياته طوال الفترة 7-14 ديسمبر الجاري.
لكن اللافت أن رئيس المهرجان عبد الحميد جمعة، والمدير الفني للمهرجان المخرج مسعود أمر الله العلي بجهودهما الحثيثة والمتواصلة – وبمساعدة فريق مخلص يعمل طوال العام استعدادًا لتلك الاحتفالية المتنوعة في أقسامها والتي تحمل الجديد والمختلف في كل دورة جديدة – أثبتوا خطأ تلك الكلمات التي ترددت أعلاه، ويبدو واضحًا أنهم ينصتون للنقد ويعملون دوما على تحسين وتطوير المهرجان الذي يحمل اسم واحدة من أشهر دول العالم الآن، والمتأمل لآليات العمل سيُدرك جيدًا أن تلك المكانة لم تأتي من فراغ ففريق العمل يجمع بين الخبراء الأجانب وكذلك العرب ولازال القائمين عليه يعتبرونه مغامرة ومخاطرة لذلك دوما هناك بحث عن المختلف المغاير سواء في السينما العربية أو من تلك الأجنبية إلى جانب العروض العالمية الأولى فهناك على الأقل ما بين عشرة وخمسة أفلام أجنبية تعرض للمرة الأولى بالعالم من خلال قاعات السينما بالمهرجان، إلى جانب الأفلام العربية التي ننتظر دوما انطلاقها من تلك المنصة.
ثلاثية العرض والتوزيع والإنتاج
رغم أهمية ما سبق، أدرك مبكرا الداعمون لبقاء واستمرار مهرجان دبي السينمائي أن عرض الأفلام وحده ليس كافيًا وأن هناك خطوات أخرى تحتاجها صناعة السينما مثل التوزيع والإنتاج بكل متطلباته من تمويل وورش عمل وما بعد الإنتاج، لذلك لم يكتفي منظمو دبي السينمائي بأن يقتصر دور المهرجان على أن يكون مجرد منصة عرض، ورغم أن ذلك في حد ذاته ليس دورًا هينًا أبدًا خصوصًا لما يواجه صُناع سينما \”الأرت هاوس\” من مختلف الدول العربية من صعوبات وعقبات في أن يجدوا موضع قدم في دور العرض التي تسيطر عليها السينما التجارية، فقد عمل منظمو المهرجان بدأب على اكتشاف المواهب السينمائية الجديدة وتقديم تجاربهم، وأتاحوا أيضًا فرصة لصناع الأفلام المخضرمين وأصحاب الخبرات الطويلة أن يقدموا جديدهم حتى لو اختلف النقاد حول تقييم أعمالهم، ورغم أهمية ما سبق اهتم المنظمون بإقامة قسمًا للسوق فأتاحوا الفرصة أمام الموزعين من مختلف دول العالم للتعرف على إنتاجات العالم العربي وبالتالي منح السينما العربية الجديدة فرصة العبور من نوافذ ربما تكون أوسع على جمهور مُغاير، من دون أن يهملوا إقامة حلقات النقاش حول صناعة الفيلم من مختلف زواياه. لم يغفلوا أيضًا دورهم إزاء أفلامهم المحلية والإقليمية، فحرصوا على دعمها بمختلف الطرق، فخصصوا المسابقات لدعم السيناريوات وتطويرها، وإقامة ورش العمل ثم خصصوا لها الجوائز عند اكتمالها، وبما أن المهرجان يُمثل دبي والإمارات بامتياز فكان لأهل البلد نصيب خاص وهذا حقهم، فتم تخصيص جوائز للمهر الإماراتي، وجوائز ثانية للمهر الخليجي، وذلك إلى جانب جوائز مسابقتي المهر القصير، والمهر الطويل الذي يشارك بهما صناع السينما من دول عربية متنوعة من أهمها لبنان، مصر، سوريا، والمغرب وتونس.
الإمارات والإنتاج السينمائي
نضيف لما سبق أن مهرجان دبي السينمائي بعد مولده بفترة قصيرة أطلق برامجه لدعم الإنتاج السينمائي في الوطن العربي، وشاركت عدة جهات أخرى في التمويل والدعم السينمائي، وأصبحت أفلام عديدة الآن تحمل اسم الامارات كشريك فاعل في الإنتاج منها ثماني أفلام تشارك في مسابقة المهر العربي الطويل ومنها فيلم \”نحبك هادي\” الحائز على جائزتي من برلين، ومنها أفلام مصرية مثل \”علي معزة وإبراهيم\”. هذا إلى جانب ستة أفلام طويلة من الإنتاج الإماراتي الخالص هي \”المختارون\” لعلي مصطفى صاحب تجربة \”من ألف إلى باء\”2014،\”عسل ومطر وغبار\” تسجيلي للمخرجة المتميزة والشاعرة نجوم الغانم، \”ليزا\” للمخرج أحمد زين، \”سبارتا الصغيرة\” للمخرج منصور اليبهوني الظاهري، الرجال فقط عند الدفن، للمخرج عبدالله الكعبي، وانتظار للمخرج هاني الشيباني.
ملتقى دبي
ورغم أي ملاحظات فنية قد تُؤخذ على السيناريوات للأفلام السابقة، أو أي نقد قد يُوجه إليها – وهو ما سنخصص له مقالًا بأكمله – لكونها تبتعد عن المواضيع التي قد تثير إشكاليات رقابية، أو صدام مباشر مع أفكار المجتمع وتقاليده، أو أنها تستند إلى فريق أجنبي بين صناعها العرب من الإمارات أو الخليج، لكن رغم ما سبق لا يمكن إنكار أن هناك تطور ملحوظًا في تلك السينما، وإن كان هناك عشرات من الشباب لازال بحاجة إلى مزيد من الدعم لتخرجه مشاريعه للنور. ومن نماذج هذا الدعم ملتقي دبي والذي تم إعلان نتائجه اليوم إذ فازت خمس مشاريع سينمائية عربية بجوائز «ملتقى دبي السينمائي»؛ منصة «مهرجان دبي السينمائي الدولي» للإنتاج المشترك، التي تقدّر جوائزها الإجمالية بـ50 ألف دولار، لدعم مشاريعهم السينمائية، وتكوين شبكات للتواصل مع الخبراء العالميين في القطاع السينمائي، ولمساعدتهم في إيصال أعمالهم إلى الشاشة الكبيرة. وتتضمن لائحة الفائزين بجوائز «ملتقى دبي السينمائي»، للعام 2016: المخرجة إليان الراهب والمنتجة لارا أبو سعيفان عن «العائلة الكبرى»، والمخرج عمر هفاف والمنتجة ماري بلدوشي عن «ما زالت الجزائر بعيدة»، والمخرجة دارين ج. سلاّم والمنتجة ديمة عازر عن «فرحة»، والمخرج مهند حيال والمنتجة هلا السلمان عن ««شارع حيفا»، والمخرج داود أولاد السيد والمنتجة لمياء الشرايبي عن «تودا»، والمخرجة هيام عباس والمنتجة سابين صيداوي عن «غبار الطفولة».
إلى جانب الجوائز النقدية، اختار «ملتقى دبي السينمائي» خمسة من صنّاع أفلام عرب، من المشاركين في الملتقى، للحصول على اعتماد مجاني في شبكة المنتجين في «مهرجان كان السينمائي»، وهي واحدة من أبرز أسواق الأفلام حول العالم، حيث تجمع أبرز صنّاع السينما، وأكثرهم خبرة، للتواصل المباشر مع خبراء الصناعة. الفائزون هم: المنتجة ديمة عازر عن فيلم «فرحة»، والمنتجة ولارا أبو سعيفان عن فيلم «العائلة الكبرى»، والمنتجة هلا السلمان عن فيلم «شارع حيفا»، والمنتجة كارول عبود عن فيلم «الحياة = شوائب سينمائية»، والمنتج خالد المحمود عن فيلم «مطلع الشمس» وهو أيضًا منتج مشروع «آي دبليو سي».
داعش بالمهر الخليجي
من بين 16 فيلما تشارك في مسابقة المهر الخليجي القصير والمتفاوتة في أطوالها لكنها لا تتجاوز الثلاثين دقيقة شاهدت – حتى الآن – خمسة أفلام منها فيلما بعنوان \”أبراهام\” مدته ثماني دقائق للمخرج العراقي علي كريم عبيد، ومن الإنتاج العراقي الألماني الإيطالي المشترك، والذي يدور حول عائلة مسيحية – مكونة من أب وولديه شاب وفتاة جميلة – يُجبرهم تنظيم داعش على دفع الجزية بالدولار لكن الشاب يسألهم في تحدي يكشف حقيقتهم بأنهم يشترطون أن تكون الجزية بالدولار – أي عمله الكفرة كما يصفهم التنظيم – وعندما يسألون عن الفتاة يدي الابن أنها زوجته خوفًا عليها من الاغتصاب لحماية مستقبل أخته الوحيدة، وعندما ظن أنه وجد الحل المناسب، اكتشف أن العواقب المترتبة على هذا العمل أكبر وأكثر تدميرًا، إذ أن الرجال المسلحين في محاولة منهم ليرغموه على الاعتراف يُصرون على أن ينكح أخته أمامهم ويضعون كاميرا للتصوير، وتُصبح العائلة كلها في مأزق مرعب ينتهي بمأساة فإما الاغتصاب أو إقامة علاقة تندرج تحت \”زنا المحارم\”، ولم يقتصر ذكر داعش وتناول آثارها على المهر القصير، ولكن هناك أيضاُ بالمهر الطويل يُشارك فيلم عراقي بعنوان \”العاصفة السوداء\” سنخصص له مقالًا منفصلًا. وقد شاهدت أيضًا فيلمين قصيرين أحدهما بعنوان \”الأشقر\” عن رجل يستخدم ديوكه في مصارعة الديوك ويستغل زوجته في رعايتهم ويفرغ فيها كبته وهزيمته وكل العنف بداخله ورغم أهمية الفكرة لكن شابها بعض التطويل خصوصا في لقطات المصارعة التي زادت مدتها الزمنية مقارنة بطول العمل والمساحة المتاحة للشخصيات. والفيلم الآخر تناول حكاية طفل صغير لاجيء تضطر والدته أن تتركه مع اثنين من العجائز رغمًا عنه حتى تقوم بمقابلة في إحدى الوظائف التي تقدمت لها، وبعد بداية متوترة بينهم ينجح الفن – وتحديدا فن تحريك العرائس – في أن يحطم الحواجز بينهم ويُذيب جبال الثلج والمدفون بأسفلها أحزان ومخاوف متراكمة فيُصبح الفن والحب بمثابة الجسر الذي يربط بين الأجيال والثقافات.
أفلام سعودية
أما الفيلمين الأخيرين فلاثنين من المخرجين السعوديين أولها بعنوان \”ثوب العروس\” 24 ق للمخرج محمد سلمان وتدور أحداثه حول محاولة تصحيح المعتقدات الخرافية وتنشئة جيل جديد لا يؤمن بها، من خلال تيمة بسيطة لفتاة توشك على الزواج وتسعى بمساعدة الخطيب لتغيير معتقدات الأم بهدوء وإقناع. أما الفيلم الآخر فيدور حول الرقابة بطريقة ذكية ويحمل عنوان \”مدينة تسمي ثيوقراطية\” والفيلم إنتاج أمريكي لكن المخرج سعودي تعلم بأمريكا، ويحكي عن مدينة خيالية يفرض فيها النظام الديني قيودا صعبة على صناعة الأفلام وعلى مشاهدتها، لكن فتاة جميلة وذكية تعبر بالمكان وتوحي إلى المسؤول عن دار العرض السينمائي القديمة بأسلوب للالتفاف على الرقابة. والفيلمين تميزا بالإيقاع المتوازن لكن الأول يغلب عليه البساطة الشديد وبعض السذاجة في الحوار والسيناريو رغم تميزه البارز في تفاصيل الصورة والإضاءة والموسيقى، في حين يغلب على الفيلم الثاني الميتافور الذكي اللماح وإن شابه الغموض كثيرًا.