د. أمل الجمل تكتب من "كان": "الأوقات السعيدة ستأتي قريبا".. الغرق في الرمزية المبهمة

 

حيرة كبيرة وارتباك يشعر به المرء في اختيار الأفلام التي يشاهدها وسط هذا الكم من الأفلام الموزعة بين الأقسام المختلفة للمهرجان الكاني، والمُوقعة بأسماء كبيرة أو من هؤلاء الشباب الذي سبق لهم تقديم أعمال سينمائية لافتة. وشخصياً وسط هذه الحيرة وإزاء رغبتي المحمومة في مشاهدة أكبر عدد تُيـاح لي، وبعد اهتمامي خلال الأيام الأولى من المهرجان بمتابعة أفلام \”المسابقة الرسمية\” و\”نظرة خاصة\” قررت إعطاء الأولوية والحرص على عدم تفويت – بقدر الإمكان – أفلام تظاهرتي \”أسبوع النقاد\” و\”نصف شهر المخرجين\” والذي يتم تنظيمهما على هامش المهرجان أو يعتبران من البرامج الموازية، وهناك أكثر من سبب لذلك القرار؛ فإلى جانب الأهمية الكبيرة تلك التظاهرتين؛ فإن مهرجان كان يُعيد عرض جميع أفلام المسابقة الرسمية في اليوم الختامي له، كما يُعيد عرض الأفلام الفائزة في أعقاب يوم الختام.

\”الأيام السعيدة ستأتي قريباً\” هو أول الأفلام التي شاهدتها أمس بتظاهرة أسبوع النقاد التي تحتفل بدورتها الخامسة والخمسين هذا العام، والتي تجوب ستة من دول العالم لعرض الأفلام المشاركة والمختارة بها وذلك للترويج لها والتبشير بصناعها، كما أنها وللمرة الأولى هذا العام ستُتيح لنحو 2000 مشاهد من مختلف أرجاء العالم – خلال الفترة من 20-27 مايو الجاري – مشاهدة أفلامها مجاناً على موقع \”فيستيفال سكوب\” Festival Scope  وسيتم اختيار الجمهور بأسبقية الحجز.

يُعد \”أسبوع النقاد\” أقدم تظاهرة في مهرجان \” كان \” وله دور مهم في الكشف عن العديد من المواهب السينمائية الجديدة على مستوى الإخراج والتمثيل، ويُنظم الأسبوع جمعية نقاد السينما الفرنسيين بالتعاون مع الـ\”فيبريسي\” أي الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية، وقد اختار القائمون على تنظيم الأسبوع صورة الممثلة جيسكا شاستين في لقطة من فيلم TAKE SHELTER للمخرج جيف نيكولس Jeff Nichols والذي عُرض فيلمه الثاني في الدورة الخمسين بتلك التظاهرة فكان بمثابة اكتشاف لموهبته إذ بعدها انطلق نجمه ونجم بطلته.

تتضمن التظاهرة مسابقة للأفلام الطويلة والقصيرة وإن كانت أساسا تختار الأفلام الأولى والثانية للمخرجين، هذا العام يعرض 7 أفلام من تركيا وكمبوديا وفرنسا وأسبانيا وإسرائيل وسنغافورة ولبنان التي يمثلها المخرج فاتشي بولفورجيان بفيلمه \”ترامونتان\” والذي يتناول البحث عن الهوية والجذور، وهو في الحقيقة فيلم من الإنتاج الفرنسي لكن أسلوب تييري فريمو – مدير مهرجان كان – في تصنيف هوية الأفلام وفق جنسية مخرجيها جعل الفيلم محسوباً على لبنان. إضافة إلى أفلام المسابقة هناك أيضاً خمسة أفلام من العروض الخاصة خارج المسابقة منها فيلم الافتتاح “في الفراش مع فيكتوريا” للمخرجة الفرنسية جوستين ترييه، وهو فيلمها الثاني.

في انتظار السعادة

أما فيلم \”الأوقات السعيدة ستأتي قريباً\” – إنتاج إيطالي فرنسي – فكان أحد العروض الخاصة بالتظاهرة، وهو أيضاً الشريط الثاني من توقيع مخرجه الإيطالي ألسندرو كومودين Alessandro Comodin والذي تم الاحتفاء بعمله الأول \”صيف جياكومو\” Summer of Giacomo  بمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي إذ حصد جائزة النمر الذهبي لصناع سينما الحاضر، كما نال أربعة جوائز أخرى من المهرجانات السينمائية.

تدور أحداث \”الأوقات السعيدة ستأتي قريباً\” في أربعة فصول؛ في الأول نرى توماس وأرتورو وكأنهما هاربان من شيء ما لا ندري ما طبيعته، لكنهما يتسكعان في الغابة إلى أن يتم قتلهما عن طريق رجلين مسلحين يبدو أنهما صيادين، في الجزء الثاني ينتاب المتلقي شعور وكأنه انتقل فجأة إلى عمل وثائقي نسمع أثناءه آراء متباينة ومتناقضة حول قصة خرافية تتعلق بالذئب والفتاة التي اختطفها وما الذي يعتقده كل شخص فيما يخص مصيرها، أما في الجزء الثالث فيأخذنا المخرج إلى نفس الغابة لكن بعد مرور سنوات – أو ربما قبل سنوات فالزمن غامض وغير محدد لدرجة الإرباك – لنتعرف على الفتاة الشابة \”أريانا\” ابنة القس والتي تتعرض في منامها للهجوم من ذئب بشري يُشبه الشاب توماس الذي تعرفنا عليه في الجزء الأول من الفيلم، وبعد أن تستيقظ تبحث في الغابة إلى أن تعثر على كهف أو ممر سري في الغابة تعبره فتصل إلى بحيرة تسبح فيها وهناك تلتقي توماس ويقعا في الحب وتهرب معه لاحقاً، بينما الأب وجيرانه ينقبان عنها. أما في الجزء الرابع فنتابع استقبال أحد السجناء للشاب توماس في أعقاب وصوله إلى السجن ليقضي فترة عقوبته التي لا ندري طبيعتها على وجه الدقة، لكن اللافت أن أول زيارة تأتي إليه تكون من \”أريانا\”.

إيقاع الفيلم هادئ جدا، ومتمهل لدرجة أن الجزء الأول لا يحدث فيه أي شيء لما يقرب من نصف ساعة إلى أن يتم قتل الشابين وذلك بعد اكتشافهما جريمة قتل أخرى لكنهما عندئذ لا يهتمان بالرجل الغارق في دمائه وكل ما يشغلهما هو البندقية التي حصلا عليها من كوخ القتيل وتجربتها والتمرن عليها.

هنا، في شريطه الثاني، يعتمد المخرج على التصوير في الطبيعة، ولا يخرج عنها إلا مرات قليلة جداً، والمشاهد واللقطات يُميزها الكوادر السينمائية الجميلة والإضاءة الطبيعية الجيدة، وحركة كاميرا تبدو تلقائية غير محسوسة، والأداء التمثيلي خالي من أي افتعال قادر على خلق زمن نفسي يبدو صادقاً، مع ذلك يعيب الفيلم أن السيناريو يعتمد على القصص الرمزية إلى حد الغرق والتي يصعب الربط بين بعضها البعض، كذلك العنوان نفسه يجعلنا نتساءل حول علاقته بمضمون الفيلم. مثلما يعتمد المخرج على الانتقال الحاد والمفاجئ بين فصول الفيلم لدرجة قد يشعر معها المتلقي بأنه انتقل من فيلم إلى آخر، إضافة إلى أن الزمن الذي يدور فيه كل جزء من الأجزاء الأربعة يكاد يكون لغزا إضافياً، وربما كل ما سبق هو ما جعل كثير من مشاهدي الفيلم يلتفتون إلى بعضهم البعض في دهشة قبل أن ينسحب أكثرهم تباعاً بصحبة حفنة من الإحباط والتساؤل عن سر اختيار الفيلم للعرض ضمن تظاهرة \”أسبوع النقاد\”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top