د. أشرف الصباغ يكتب: ماذا ستقدم مصر هذه المرة إلى إسرائيل والسعودية؟!

لقد قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة رام الله في ٢٩ يونيو ٢٠١٦ تحت عنوان \”بحث عملية السلام\” أو \”إحياء عملية السلام\”. وفي ١٠ يوليو، أي بعد ١٠ أيام تقريبا قاتم بزيارة تل أبيب تحت نفس العنوان.
وزير الخارجية المصري ألقى كلمة تناولت موضوع \”السلام\” و\”الإرهاب\” و\”مصالح المنطقة، بما في ذلك إسرائيل\”. إضافة إلى كل الجمل والعبارات التي تتكرر منذ خطاب أنور السادات في الكنيسيت الإسرائيلي وتوقيع معاهدة كامب ديفيد.
زيارة شكري إلى إسرائيل، في ظل الظروف القائمة والأحداث الإقليمية والمحلية، قد تكون بمثابة تحول نوعي، بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا أو قبولنا أو رفضنا للزيارة. وستظهر مقدمات هذا التحول، في حال إذا كان على أجندة الزيارة التحضير للقاء بين السيسي ونتنياهو، بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف أو القبول أو الرفض أيضا. وبالتالي، من الأفضل أن نتعامل بعقل بارد نسبيا مع هذا التحول والتداعيات المحيطة به.
لقد دار كلام شكري حول النقاط التالية:
– مصر تسعى لوضع حد نهائي للصراع العربي الإسرائيلي، وهي مستعدة للإسهام بفاعلية في تحقيق هذا الهدف، وترجمته الرؤى والمبادرات إلى واقع عملي.
– الدولة المصرية ستواصل جهودها للوصول إلى حل الدولتين على أساس من مبادئ العدل والحقوق المتبادلة، وإقامة جسور من الثقة بين الطرفين.
– انتشار وتنامي الإرهاب في المنطقة يهدد عملية السلام. ويزيد من هشاشة الأوضاع فى الشرق الأوسط وخطورته.  
– ظاهرة الإرهاب باتت تمثل خطرا وجوديا على شعوب المنطقة بل والعالم أجمع دون استثناء أو حصانة لأي شخص أو جماعة أو شعب.
– امتداد الصراعات والنزاعات المسلحة في المنطقة، وما يصاحبها من معاناة إنسانية خطيرة تهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط لعهود طويلة قادمة.

التحليلات بدأت تتوالى بقوة في اتجاه أنه \”يجب العمل في كل الاتجاهات، خصوصا مع الدول العربية، فيجب إقامة جيش عربي مشترك يدافع عن المصالح العربية، وضرورة البعد عن الخلافات\”، و\”مصر تحاول تهيئة وتأمين الظروف كافة لإنجاح المبادرة من خلال التوصل لنقاط الاتفاق والمشتركة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني\”، و\”العلاقات المصرية – الإسرائيلية لم تكن سيئة، حتى وإن أصابها بعض الفتور، حيث حافظت القاهرة على علاقاتها مع الفلسطينيين من جانب، ومن جانب آخر مع إسرائيل، ليس فقط لاعتبارات المصلحة ولكن لاعتبارات الدور المصري في عملية السلام الذي لا يمكن أن يمر دون علاقات معقولة مع الجانب الإسرائيلي\”.
مثل هذه التحليلات تجعلنا نطرح عددا من الأسئلة من قبيل:
– ماذا حققت مصر طوال ٣٥ وثلاثين عاما من علاقاتها المتوازنة مع الإسرائيليين والفلسطينيين؟
– مصر تعتبر نفسها لاعبا أساسيا ورئيسيا في المنطقة وفي عملية السلام، ما الذي يمكن أن تقدمه مصر في هذه الحالة؟
– الوسطاء لديهم دائما ضمانات للطرفين المتصارعين (هذا في حال اعتبرت مصر نفسها طرفا خارج الصراع!)، فما هي الضمانات التي يمكن أن تقدمها مصر؟

هذه الأسئلة تحمل في طياتها إجابات مخيفة، ولا يمكن هنا أن نتجاهل التغيرات الإقليمية المتمثلة في العلاقات التركية الإسرائيلية، فكل من الدولتين انتهزتا وضع مصر المزري، واقتصادها المتردي وغرقها في الديون لممارسة ضغوط معينة: تقارب تل أبيب من أنقرة، وتوجهها نحو أفريقيا من جهة، واستمرار تركيا في معاداة النظام المصري، وتقاربها مع السعودية، ودعم جماعة الإخوان المسلمين والتنظيم الدولي من جهة أخرى.
وبالتالي، فتحركات تركيا بعد تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، والنشاطات التي تقوم بها أنقرة في غزة تثير قلق مصر وتنتزع منها ما تعتبره القاهرة دورا إقليميا وعربيا.
من جهة أخرى، تركز بعض التحليلات على موضوع \”جيش عربي مشترك للدفاع عن المصالح العربية\”. هذه الدعوة ليس لها علاقة من بعيد أو قريب بالدعوات المشابهة التي كانت تطلق في الخمسينيات والستينيات حتى حرب أكتوبر ١٩٧٣، ولكنها ترتبط بشكل مباشر بخطط وطموحات وتحركات المملكة العربية السعودية التي طرحت مبادرة \”القوة العربية المشتركة\” مع بداية الحرب الدائرة في اليمن. ولا شك أن هذه المبادرة مرتبطة بتصورات السعودية لدورها المقبل، حتى وإن كانت هذه القوة أو الجيش بقيادة مصر الغارقة في الديون السعودية، والخليجية.
وبالتالي يمكن طرح أسئلة جديدة من قبيل:
– ما دخل قناة السويس وجزيرتي تيران وصنافير وسد النهضة وترعة السلام، وأرض سيناء كلها، ووضع البحر الأحمر، في هذه الزيارة وتصريحات شكري، والضمانات والأوراق التي يمكن أن تقدمها مصر؟
– ماذا تريد مصر من هذه الزيارة، وما هي حدود أمنها، وحدود أراضيها، وقدراتها على الاستفادة من التناقضات القائمة إقليميا ودوليا، وما هي طاقاتها في استيعاب أي فوائد قد تأتي، أو قدرتها علي الوقوف في وجه أي سلبيات قد تنجم؟
– ماذا استفادت مصر من اتفاقية كامب ديفيد على مستوى الاقتصاد والإنفاق العسكري، والتنمية عموما؟ وهل هذه الاتفاقية ساعدت مصر على تعزيز دورها ودعم مواقفها، وتوسيع نفوذها وتأثيرها، خلال الـ ٣٥ عاما الأخيرة؟
من الملاحظ أن هناك توجه لعسكرة المنطقة وتحويلها إلى مستودعات للسلاح من جميع أنحاء العالم. فتركيا عضو حلف الناتو مسلحة حتى أسنانها. وإسرائيل تمتلك السلاح النووي الذي ترفض الإعلان عنه، علاوة على امتلاكها أنواع أخرى من الأسلحة المتطورة. مصر أيضا تشتري السلاح من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. ودول الخليج، وبالذات السعودية تتحول إلى ترسانات من السلاح. وكذلك أيضا إيران التي تواصل نغمة استهدافها من جميع الأعداء المحيطين بها. وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه كل هذه الدول محاربة \”الإرهاب\”، بما تملكه من سلاح، تواصل تبديد ميزانياتها من جهة، وتقمع شعوبها من جهة أخرى بحجة \”محاربة الإرهاب\”. ما يعني شئنا أم أبينا أن \”مكافحة الإرهاب\” و\”تهديدات الإرهاب وتحدياته\” و\”مخاطر التنظيمات الإرهابية\” ما هي إلا غطاء لتحولات أخرى واصطفافات، وربما تقسيمات جديدة، تمهيدا لظهور دويلات صغيرة في المنطقة، وظهور قوى إقليمية جديدة، وتراجع قوى إقليمية إلى الصفين الثاني والثالث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top