د. أشرف الصباغ يكتب: عندما عرَّى الدواعش جدتي "سعاد" في أبو قرقاص

على الرغم من أن البيان الذي أصدره الأنبا مكاريوس (مطران الأقباط الأرثوذكس بالمنيا وأبو قرقاص) بسيطا وغير حاد، إلا أن المعلومات الأولية التي وردت به كانت مثل الطلقات التي تضرب الضمير قبل أن تصيب القلب والعقل.

الأنبا مكاريوس يقول:

\”بدأت الأحداث المؤسفة في قرية الكرم – مركز أبوقرقاص، بعد شائعة عن علاقة بين مسيحي ومسلمة، وقد تعرض المسيحي أشرف عبده عطية للتهديد، ما دفعه لترك القرية، بينما قام والد ووالدة المذكور يوم الخميس ١٩ مايو بعمل محضر بمركز شرطة أبوقرقاص، يبلغان فيه بتلقيهما تهديدات، وبأنه من المتوقع أن تنفذ تلك التهديدات في اليوم التالي. وبالفعل خرجت مجموعة من ٣٠٠ شخص في الثامنة من مساء يوم الجمعة ٢٠ مايو ٢٠١٦ تحمل أسلحة متنوعة، فحرقت ٧ منازل للأقباط. كما قامت بتجريد سيدة مسيحية مسنة من ثيابها، والتشهير بها أمام حشد كبير في الشارع. وقد وصلت قوات الأمن إلى هناك في العاشرة من مساء نفس اليوم، وقامت بالقبض على ٦ أشخاص\”.

المواطنة المصرية السيدة سعاد ثابت (٧٠ سنة)، قالت في محضر الشرطة: \”بهدلوني، يا بيه. حرقوا البيت ودخلوا جابوني من جوه. رموني قدام البيت وخلَّعوني هدومي، يا بيه، زي ما ولدتني أمي، مخلوش حاجة حتى ملابسي الداخلية وأنا باصرخ وابكي\”.

السيدة المصرية سعاد ثابت تقول أيضا: إن من قام بهذه الجريمة هم \”نظير إسحق أحمد\” زوج السيدة المسلمة، ووالده إسحق أحمد وشقيقه عبد المنعم إسحق أحمد…\”.. ابني أشرف مالوش علاقة بالست المسلمة.. هي جات المركز وقالت إن زوجها نظير بيشهر بها ورفعت قضية، وهو عمل كده علشان يطلقها. لكن إحنا اتبهدلنا، وكل بيتنا اتحرق، وجوزى ضربوه، وأنا لحد دلوقت مش قادرة اصلب طولي بعد ما ضربوني\”.. \”ابنى هرب لأنهم لو شافوه كانوا قتلوه\”.

في نهاية المطاف، استقبل ٣٠٠ \”دكر\” شهرهم المفترج بحرق ٧ بيوت لمواطنين مصريين، وتعرية سيدة مصرية والتشهير بها. ولو كانوا قد وجدوا ابنها لذبحوه كما يفعل الدواعش.. كل ذلك في القرن الواحد والعشرين، وفي وقت يتعرض فيه المجتمع المصري، والدولة المصرية، للإرهاب. غير أن الخطير هنا أن الـ ٣٠٠ مسلح، كانوا مسلحين أيضا بكل أفكار ومبادئ \”مناضلي داعش ومجاهديه\”!

إن حادث أبو قرقاص في المنيا \”الصعيدية\” التي من المفترض والدارج والشائع أن أهلها رجالا ونساء يعرفون معنى التعري، ومعنى الدم، ومعنى النار، تشير إلى العكس تماما. كما أن اعتداء المصريين على مصرية بتجريدها من ثيابها وسحلها في الشارع، يشير إلى أن \”الدعشنة\” التي حاولنا إخفاءها لعشرات ومئات السنين، تظهر في أحط وأدنأ صورها تحت سمع وبصر الدولة والقانون والنظام السياسي وأجهزته الأمنية، وأمام أعين المجتمع. هنا نتوقف قليلا لنكتشف أن داعش في الأساس لم يكن مجرد تنظيم إرهابي مسلح، وإنما كان وما زال أفكارا وممارسات وفعل، والسلاح هو تحصيل حاصل.

إن داعش الحقيقي يكشف عن وجهه القبيح في مصر تحت سمع وبصر الجميع. وستحاول وسائل الإعلام البليدة غسل يدها وطرح الموضوع بشكل يفرغه من مضمونه ويدافع عن الدولة والنظام والإعلام والأمن. بل وعن القيم والمبادئ والأخلاق، ولكن عن مبادئ وقيم وأخلاق مجردة تماما وليس لها أي علاقة بالواقع وبما يجري فيه. سيحاولون غسل أيديهم وتبرئة أنفسهم وأقاربهم وأشباههم، وسيواصلون تضليل الناس وإبعاد أنظارهم عن مصرية تيران وصنافير، وعن الشباب الذي يواجه أحط حملات الانتقام والتنكيل. وسيغرقون في نظرية المؤامرة على الوطن والرئيس والحكومة، وسيعقدون مجالس العرب وجلسات التصالح العرفية، وسيمعنون في انتهاك القانون لتحل محله الأعراف البالية. وبالتالي، سيواصل المصريون قتل بعضهم البعض، وتعرية بعضهم البعض، والتمثيل بجثث بعضهم البعض أحياء وأمواتا وعرايا.

كل الممارسات والشعارات التي تطرحها الحكومة ومؤسساتها ونظامها السياسي تدفع بالمصريين إلى قاع التاريخ والإنسانية. ما يعطي انطباعا بأنهم يقومون بالتغطية على جرائم أقبح وأحط، وأشد وطأة. ولكن الجريمة لا تتجزأ، والجرائم مرتبطة ببعضها البعض. والإجابات جاهزة: \”عنف من الطرفين\”.. \”شائعات مغرضة أدت إلى إشعال الموقف\”.. \”يستغلون الوضع لإثارة البلبلة\”.. \”الصعيد له عاداته وتقاليده\”.. \”ماذا نفعل للشعب الجاهل\”.. \”أعداء مصر يتربصون بها\”.. \”مؤامرة داخلية بالاتفاق مع الخارج\”.. \”لقد نزعوا ملابسها الداخلية ولكنهم لم يسحلوها عارية\”.. وعشرات التبريرات والشعوذات الأخرى التي تستدعي السخرية والشفقة في آن واحد.

إن داعش يتجلى في أحط صوره وممارساته في مصر وقراها، مهما تحدثوا عن السماحة والتسامح وتجديد الخطاب الديني، ومحاولة فصل ما يحدث عن حالة التغييب العام والشعوذة وغياب القانون والتعامل بمعايير مزدوجة مع المصريين.

لقد عررّوا جدتي \”سعاد\” في الشارع وهي في سن السبعين. عرّوها وهم مسلحون، بينما لم تكن تملك إلا ثيابها، فأبوا أن يتركوها إلا بعد أن يجردوها من ملابسها الداخلية. قد تكون جدتي أو جدتك، وربما يأتي الدور على ابنتي وابنتك، أو أختك وأختي، وربما زوجتي وزوجتك.. ولا تستبعد أن يأتي عليكَ الدور في الشارع أو البيت أو قسم الشرطة أو في أي زنزانة في أي سجن من تلك السجون التي يقبع فيها شبان خرجوا يوما للتأكيد على أن تيران وصنافير مصريتان، مثل جدتي \”سعاد\” التي عرَّاها الدواعش وهي في السبعين من عمرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top