د. أحمد خالد توفيق يكتب في عيد ميلاد موقع زائد 18 الأول: هذا الموقع الساحر

أحمل الكثير من التقدير لموقع زائد 18 وللعزيزة الشجاعة (الجدعة) دعاء سلطان.. شرفني هذا الموقع بنشر مقالين لي، أحدهما عند افتتاحه:

وكان عنوانه (موقع مرعب)، والآخر بعد رحيل الخال الأبنودي،

وكان عن مبدأ العزاء المتحفظ.

لم استطع المداومة على الكتابة هنا لأسباب عدة؛ بينها أنني كنت في ذلك الوقت أكتب ثمانية عشر مقالاً كل شهر، وهو رقم حاولت جاهدًا أن أخفضه إلى أن صار معدلي ستة أو سبعة مقالات شهريًا، بين أماكن اعتذرتُ عن عدم الكتابة فيها، وأماكن طردتني بلا رحمة.  لكني ظللت أتابع الموقع.. ومن المدهش أنك كلما قابلت مقالا شابا جريئا يحطم التابوهات أو يدفعك إلى التفكير، فثمة احتمال لا بأس به أن يكون قد نشر في زائد 18.

طلب مني الموقع مؤخرا أن أكتب مقالاً بمناسبة مرور عام على افتتاحه. أهو عام حقا؟ الأعوام تتدافع كطلقات الكلاشينوف بالتأكيد!

قضيت وقتا طويلا أخطط لما أنوي كتابته، وكيف سأحلل بدقة كل مقالات الموقع وكل كتابه، وكيف سأضع لمسات رائعة مؤثرة تجعلك تنتشي بلا طلا ولربما تبكيك، ثم فطنت إلى أن الوقت يمر وأنا لا أفعل شيئا على الإطلاق.. لم أكتب حرفا مما أردت كتابته بسبب الطموح الزائد.

تذكرت مقالا قديما لي اسمح لي أن أقتطع جزءًا منه.. المقال يلخص مقالا آخر نشر في مجلة المختار عن الريدرز دايجست التي كانت تصدر في مصر قبل حرب 1967، ولم أنسه قط.

يقول الصحفي كاتب المقال إنه تلقى خطابا ظريفا من صديق قديم.. صديق طفولة لم يره منذ ثلاثين عاما.. صديق طفولة من الطراز الذي كنت تتقاسم معه البلي وترميان (البومب) على المارة وتتبادلان الطوابع.. كل واحد فينا لديه صديق قديم مثل هذا.

هذا الخطاب جعل الصحفي في حالة نشوة دائمة.. وضعه على المكتب، وراح يفكر في الخطاب الذي سيرد به: سوف يستعيدان ذكريات اللهو في الغابة خلف المدرسة.. سرقة مجلات الأطفال من صديقهما المثقف.. الأرجوحة المعلقة بين شجرتين ومحاولة تركيب محرك لسيارة سباق صغيرة.. الحب الأول في الطفولة والشجار على رضاها.. إلخ..

قضى الوقت يؤلف في ذهنه فقرات الخطاب الرائع الذي سيكتبه.. كل فقرة وكل جملة.

كتب عدة صيغ لكنها لم ترق له، ولم يكن هذا هو الخطاب المذهل الذي يفكر فيه.. مرت الأيام.. الأيام صارت أسابيع.. مع الوقت بدأت الفرصة تقل واحتمال الجلوس للكتابة يضعف.

صار الرد على الخطاب كابوسا أو دينا لم يُسدد.. صار يستيقظ شاعرا بالتعب وينام بعد أرق طويل، وصار مكتئبا يتحاشى دخول غرفة مكتبه.. وفي كل يوم يزداد شرود ذهنه أكثر، حتى إنه بدأ يشتم صاحبه ويتمنى لو لم يكن قد كتب له.

ذات يوم عاد للبيت، فجاءت زوجته – التي تعرف المشكلة – ووضعت أمامه ورقة وقلما، وقالت له:

ـ \”وقّع!\”

نظر فوجد أنها رسالة بالآلة الكاتبة موجهة لصديقه، تقول: \”تلقيت خطابك الممتع وأسعدني كثيرا.. يجب أن نلتقي لتبادل الذكريات.. شكرًا لك..\” وهناك خانة للتوقيع!

قالت زوجته إنها كتبت له هذه الرسالة على الآلة الكاتبة بنفسها، وعليه فقط أن يوقعها ويرسلها لصاحبه. لثم يدها ممتنا وقال لها إنها كائن رائع. لولاها لما أرسل الخطاب أبدا، ولظل ينتظر إلهاما لا يأتي، وصفاء مزاج لا يجيء.. لقد أزاحت عبئا رهيبا عن كاهله.

أتذكر هذه القصة الآن.. لا يمكن أن أنتظر حتى أكتب مقالا جديرا بالتدريس في المدارس الثانوية، وإنما سأكتب كلمات بسيطة من القلب.

لا تنتظر حتى تكون رائعًا أو تمنح بسخاء أو ترد بفصاحة، فتلك اللحظة لن تأتي أبدًا! وكلما تأخر الأمر ازداد صعوبة وبدا مستحيلا. لهذا أقول لكتاب الموقع والعزيزة دعاء: أنتم رائعون.. أقرأ لكم في شغف وأحبكم.. كل عام وأنتم بخير وعقبى لمائة عام.

للتواصل مع الكاتب: Aktowfik.new@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top