دينا مجدي العزباوي تكتب: القطيع يرحب بك

\"\"

ليس هناك ما هو أسوأ من أن تجد نفسك مثيرا للشفقة بعد أن كنت تحسب نفسك ذو طبيعة خاصة تميزك عن غيرك، ولكن بمرور الأيام تأكدت من أنك مختلف فقط ولست متميزا وأن تلك النقاط التى كنت تحسبها ستكون سبب ذلك التميز، ما هى إلا عوامل جعلتك فى يومك هذا شخصا فاقدا للقدرة على التعامل مع العالم من حولك، فاقد للشغف ولا توجد لديك أسباب حقيقية للحياة. كل ما تبنيته من مبادئ فى يوم ما وجدتها اليوم مجرد هراء ومجرد أفكار طفولية تثير ضحك واستنكار الآخرين. استيقظت اليوم لتجد نفسك مجرد شخص عادى جدا وأنت يا من كنت تعتقد أنك ستغير الحياة تقف عاجزا أمام حياتك التى تنهار أمام عينيك، ترى التصدعات تعرف أن لحظة الانتهاء باتت قريبة وأن كل شئ سيؤول إلى حطام ولكنك عاجز تنظر وتنتظر فقط! أين أنت؟ أين ذلك الشخص الذى كنت تحسب أنك ستكونه؟ أنت اليوم تقف عاريا أمام مرآة حقيقتك، مجرد شخص عادى لم تكن يوما محل إبهار للأخرين ولن تكون. أنت فقط مجرد شخص فى عالم ملئ بمن هم مثلك، مجرد نسخ متكررة حتى وإن اختلفت بعض التفاصيل الصغيرة فاختلافك أنت كان منبع معاناتك. لم يكن ذلك الاختلاف لصالحك يوما ما بل كان دائما سبب إرهاقك النفسى والبدنى والهالات السوداء الموجودة فى عقلك وقلبك قبل أن تبدو ظاهرة حول عينيك. فى أوقات محاولاتك المستمرة للخروج من كنفهم كنت أيضا تخرج من كنف الحياة معانيا من أثر التصاق الآخرين بك، فكل نقطة فيك كانت تربطك بالقطيع قررت التخلص منها وتركها لهم حتى تنجو بذاتك، باختلافك ومبادئك ولكن لحظة تحررك كانت هى لحظة الصدمة. أنت الآن بت تعرف جيدا أنك لن تستطيع العيش فقط بما نجوت به من نفسك، وجدت نفسك على حقيقتها لازلت ناقصا تشعر بالعلة تحتاج إلى تلك اللحظات المزيفة التى عشتها معهم، تحتاج حتى إلى جمل المجاملة السخيفة التى تعرف أنها كزجاجات النبيذ المغشوشة في الحانات الرديئة يتوهم من يشربها أنها تثمله، تحتاجها لترضى لحظات غرور ذاتك فقط، فتحاول مسرعا أن تعود لمكانك بينهم لتعيش كما يعيشون ولكن صدمتك الأكبر أنك لن تتمكن أن تعود لصفك كما كنت. كل تلك المحاولات جعلتك تفقد أشياء. جعلتك تفقد جزءا من روحك وشغفك. اليوم تعرف أنك لن تكون من أردت ولن تقدر أن تعود لتكون مثلهم ولكن انضم فقط حتى تتخلص من جزء من وحدتك. كل ما عليك فعله الآن هو أن تحكم قبضتك بكلتا اليدين وتنهر نفسك بقوة وتقول لها أخرجى فقط من تلك الصومعة الوهمية وإنضمي للقطيع ﻷنك مهما حاولتى تركة لن يتركك هو. أنت مجرد جزء صغير من كلٍ يسبح مع التيار ولن تصمد طويلا بمفردك فى اﻹتجاة المعاكس أنسى ما كنت تراه يميزك أو باﻷحرى تناساه ﻷنه سيظل كالغصة يعكر صفو حياتك التى لن تكون يوما هادئة، وأنت من عشت تحلم بتغيير العالم وإنقاذ من يعيشون فيه من بلهاء أتى عليك اليوم الذى تحسدهم على بلاهتهم وعلى قدرتهم على مسايرة الحياة وعلى لا مبالاتهم وعلى أنهم لم يحمّلوا أنفسهم يوما عبء إنقاذ العالم أو تغييره. ستكتشف وبكل أسف أنك كنت الأبلة الوحيد فى ذلك العالم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top