مؤلم حقا أن تتحول علاقتك بأحد أقرب الأشخاص إليك إلى مجرد مجموعة من الصور فى الذاكرة، وإلى مجرد أمل ودعوة تطلبها من الله كل يوم قبل نومك وهى أن تراه بعد أن تغلق عينيك خلال نومك.
واعتقد أنه لا يوجد إنسان لا يجلس بمفرده ويتخيل أحيانا رحيل أقرب الناس إليه ويبكى من ألم هذا الإحساس ويتخيل كيف ستكون الحياة صعبة عليه بعد رحيل هذا الشخص عنه، وكيف ستمضى الأيام بعده.
نذهب فى هذه الرحلة مع أى شخص آخر غيرنا، مهما كانت درجة قربه إلينا.
ولكن من يذهب فى هذه الرحلة مع نفسه ويتخيل أنه هو من سيغادر ويرحل إلى العالم الآخر؟
ربما نتخيل جزءا من هذه الرحلة والذى يتوقف عند لحظة موتنا والطريقة التى أنتهت بها هذه المغامرة الرائعة على هذا الكوكب، وإذا توسعت بنا دائرة الخيال، نتخيل لحظة معرفة المقربين منا لهذا الخبر، ولكننا لا نتخيل أبدا الدنيا بعد فترة من هذا الرحيل، لا نصل إلى الوقت الذى تسير فيه الدنيا بهدوء وينسانا كل من فى الدنيا ونصبح مجرد ذكرى لأقرب الناس إلى قلوبنا، وبعد فترة أطول قد لا نشكل حتى مجرد ذكرى.
لا أعتقد أن أحدا منا يذهب فعلا إلى هذا الجزء، فغرورى كإنسان يجعلنى لا أفكر فى كيف للحياة أن تكون طبيعية وهادئة من بعدى.. كيف أنه حتى لا يذكر أسمي فى يوم ما فى الحياه؟!
فأنا أرى نفسى محور الحياه.. فكيف للحياة أن تسير بسهولة من غير محورها؟!
مهما كان لديك أشخاص مقربين جدا من قلبك، ومهما كنت لا تتخيل الحياة بدونهم، فأنت في الحقيقة محور حياتك أنت فقط، وليس أى شخص غيرك.. أنت المركز وكل شخص وشئ يدور حولك، حتى لو كنت تضحى من أجل غيرك بأهم ما تملك ولو حتى بحياتك، فهذا لا يعنى أن غيرك محور حياتك، فربما رغبتك في العطاء والتضحية هى فى نفس الوقت رغبة أنانية منك فى السعادة، لأن السعادة كثيرا ما تكمن فى أشياء ملكك، ولكنها لا تسعدك إلا وهى في يد غيرك.
نعم إنها رغبة منا فى أن نصبح سعداء، إذًا هذه التضحية تعود علينا بالشعور الذى نرغب حقا في الإحساس به، فأنت عندنا تضحى، فإنك تضحى لتسعد نفسك.. أنت المحور وأنت الأهم فى حياتك مهما أوهمت نفسك بغير ذلك، وإلا لكان من السهل عليك أن تتخيل رحيلك، وأن ترى الباقين يعيشون حياتهم بسهولة من بعدك، وأن الحياة حقا لا تتوقف على أحد.
صحيح، ولكن هل تخيلت حقا نفسك \”أحدا\” لن تتوقف الحياة عليه؟!
كلنا نؤمن بالموت وبالقدر، ولكن لم نفكر فى هذا الإيمان، هل هو نتيجة فكرنا نحن وتخيلنا لمسيرة الحياة بعدنا، أم أنه مجرد إيمان بشئ نحفظه مجرد حفظ، ولكن لم نترك لنفسنا الفرصة الحقيقية لنفكر فيه ونؤمن به عن فهم؟
فالحياة بالنسبة لك هى حياتك ولا شئ آخر.. فأنت عندما تشاهد فيلما تتخيل نفسك البطل لا صديقه، وعندما تقرأ قصة ترى نفسك بطلها ولا ترى نفسك أى شخص آخر، على الرغم من أنه لو أن كاتب هذه القصة قام بكتابة قصة جديدة جعل بطلها أحد أصحاب الأدوار الهامشية فى قصته الأولى، ستتخيل نفسك أيضا أثناء قرأتها أنك أنت البطل الجديد!
فأنت دائما ترى نفسك فى دور البطل وليس أى دور آخر، أنت الأهم حتى فى وقت إنكار الذات، فأنت تفعل ذلك لحاجتك إلى هذا الإحساس، وليس لأنك حقا تنكر ذاتك، بل على العكس أنت تدعمها بالإحساس الذى تريده في هذا الوقت.
أنت وأنا وهو وهي، كلنا أبطال، كل منا بطل قصة حياته، لذلك لن تسمع أبدأ نفس القصة بنفس ذات التفاصيل من شخصين مختلفين، لأن كل منهما سوف يسرد تفاصيلها من منظوره، ودون المساس بحقه فى الاحتفاظ بدور البطولة حتى ولو كانت القصة التى يحكيها لا علاقة لها به.