تحدثني صديقتي عن الموهبة وتسألني عن نفسها، هل أنا موهوبة؟ كنت أتعجب من سؤالها، فكيف يشعر شخص موهوب مثلها بهذا. قرأت كثيراً عن شك الموهوب في نفسه. وأخبرتها أن الموهوبين يشعرون مثلها بضآلة ما يفعلون، وكأن الموهبة وحش جائع لا يتغذى سوى على شك صاحبه.
لم تقتنع صديقتي برأيي واعتبرته كلاماً ينبع من واجب الصداقة، لكنني أجدها موهوبة بالفعل، وربما تقرأ هي كلامي الآن، وأكاد أراها تحرك رأسها رافضة لما أقول، لكنني حين أفكر في الأمر، أدرك أنه إن كانت صديقتي ليست موهوبة، فليس من حق مخلوق على وجه الأرض أن يدعي الموهبة.
ظلت صديقتي لا تصدق كلامي حتى وضعتني الظروف في موقفها وسألتها هل تراني موهوبة؟ سمعت منها رداً مماثلاً لكلامي عنها.. يبدو أن صداقتنا قوية بالفعل، أو أننا نرى بعضنا البعض بصور أسطورية، أو تشفق كل منا على الأخرى من الصدمة.
شعرت بسخف كلامها عن موهبتي للأسف رغم أنني من قلته من قبل لها. عرفت حينها لماذا لم تقتنع هي بوجهة نظري، فحين تعلق الأمر بي، شعرت أن الرأي القائل إن الموهوب دائم الشك لا يملك الوجاهة الكافية. فلقد قابلت الكثير من الموهوبين الواثقين من أنفسهم بدرجات كبيرة. ولا أعرف هل ذلك بفعل الاستمرارية في العملية الإبداعية، أم أن الله خلق أناساً واثقين، وآخرين تهتز أيديهم من الخوف.
ربما كان سؤالي طمأنة شخصية عن تمتعي بالموهبة، لكنني بالفعل لست واثقة من موهبتي على الإطلاق.
الحقيقة أنا لست واثقة من أي شئ في العموم. أشعر أنني لو استيقظت يوماً ما ولم أر الشمس لن أتعجب، فأنا لا أعرف هل هي دائمة الحدوث أم لا. ربما زادت خيالاتي، ففقدت الخيط بين الحقيقة واللاحقيقة، فلم أعد أعرف ما يحدث وما لا يحدث.
من أين تأتي الأفكار؟ طالما عجزت عن إجابة هذا السؤال، هل الأفكار تأتي من تلقاء نفسها أم أنها نتيجة؟ محصلة للمعرفة التي يصل إليها الإنسان.
قضيت سنوات طويلة لا اقرأ خوفاً من تأثري بما اقرأ.. اتساءل كل يوم هل ما أكتبه هو ما أكتبه، أم أنها أشياء قرأتها يوماً، وتخزنت في عقلي، واستدعتها الذاكرة.. كم حقدت على أول من فكر في فكرة الحروف، أو وضع لها شكلاً. كيف قرر أحدهم أن حرف الياء يكتب ياء؟ هل هو عمل جماعي أم تراكم حضاري، أم فكرة فذة خرج بها أحدهم للنور؟
ربما أنا لست موهوبة، لكنني لا أجد ما يسعدني سوى فعل الكتابة.. ربما الكتابة ليست موهبتي، وموهبتي لم تعلن عن نفسها بعد.
ربما أنا لا أجيد فعل أي شئ، وهو أمر لا يقلقني على الإطلاق، فمازال هناك وقت حتى أتقن وصفة طبخ تجيدها أمي، أو مازالت أمامي سنوات من البحلقة في السقف قد تسفر عن نجاحي في تحطيم رقم في موسوعة جينيس.
صديقتي العزيزة.. دعيني أقول لك طز في الموهبة وطز في العالم، فلنفعل ما يسعدنا حتى وإن كنا نص لبة، فأنتِ من أخبرتيني يوماً ما أن فينوس آلهة الجمال جميلة لأنها ليست كاملة.