يتحدث رفعت إسماعيل في أحد كتيبات \”ما وراء الطبيعة\” عن عشقه للسينما الإيطالية الواقعية ونهاياتها الحزينة، أما إذا تعلق الأمر بالحياة، فإنه يختار النهايات السعيدة.
لا أتذكر اسم الكتيب، لكنني فكرت كثيرًا في الجملة، وسألت نفسي: هل أنا أحب النهايات السعيدة أم الواقعية؟
حين كنت أسمع حواديت قبل النوم، كنت أبدي اعتراضي على نهاية الحدوتة.. ظن أفراد عائلتي أنني شخصية استثنائية لا تعجبها النهايات السعيدة، لكن أحدًا لم يدرك أن استيائي سببه أن الحدوتة انتهت.. أنا لا أحب النهايات من الأساس، فأجمل اللحظات هي اللحظة الآنية التي يستمر بها الفعل دون الوصول لنتيجته، وكأنني سيزيف الذي لا يمل العذاب، لكن ما المشكلة أن يكون هناك سيزيف يدرك أن لا شئ سيتغير، فيتظاهر بأداء دوره حتى النهاية؟
لا أحب الوصول عادة، فأمتع وقت في يومي أقضيه في الطريق قبل أن أصل لوجهتي المنشودة. لا أعرف طريقًا يستمر إلى آخر العمر. إلا إذا قررت أن أسافر إلى أمريكا سيرًا على الأقدام، وهو أمر يتطلب سن ولياقة لا أمتلكهما.
عادة أتخير طرقًا أطول وأصعب للوصول، لدرجة أن من يراني، يتهمني بقصور التفكير.. ربما كان على حق، فأمامك الكثير من الوقت لكي تقنع من أمامك أن الوصول ليس هدفك.. يبدو المنطق مبتذلًا ككلمات باولو كويلو أن (الكنز في الرحلة)، لكنني لا أسعى إلى الكنز ولا الرحلة ولا يحزنون.
أحب أن تستمر الأشياء، رغم معرفتي أن كل شيء مؤقت.. لا أجد غضاضة في أن أعيش ذات اليوم كل يوم، بشرط أن يخلو يومي من المنغصات.. لا مانع أن أستيقظ صباحاً وأتناول فطوري المعتاد وأشرب كوب القهوة.. أنزل للعمل، أعمل في هدوء، ثم أتجه إلى مقهاي المفضل، وأحتسي كوباً من الشاي، وأعود لمنزلي أشاهد التلفاز بنصف عين، وأنا أتناول عشائي بارداً، وأنام دون أن أدري، لأستيقظ على إعادة حلقة المسلسل الذي كنت أشاهده قبل النوم، مما يعني أن \”اللي ببات فيه بصحى فيه\”، بل والأهم أنني نمت ثماني ساعات كاملة.
ربما تبدو حياة مملة للبعض، وتشبه حياة الموظف الذي يعود لمنزله يحمل بطيخة وجريدة.. يقرأ حظك اليوم ويحل الكلمات المتقاطعة ويتناول نصف البطيخة مثلجة قبل أن ينام ويتمنى ألا توقظه نوبات الإسهال ليلا. قد أكون فاشلة في تنقية البطيخة الحمرا، وأمِل من قراءة الجريدة، لكنني مثل موظف البطيخ، أملك روتيني اليومي الخاص.. ألا وهو تناول مشروبي المفضل في هدوء، والتفكير في لا شئ لمدة نصف ساعة.. يجعلني ذلك أشعر بامتلاك العالم، وأن أحلامي تتحقق.. حلم بسيط وسهل.. لا أمله ولا يملني.
قد يكون مخذلًا أن تتلخص أحلامي في قعدة ع القهوة بعد يوم طويل، لكنه أفضل من حلم ضخم أتعثر في تحقيقه آلاف المرات، حتى أكرهه وأكره نفسي.